الكيمياء الحيويةمقالات علمية

لماذا يحذّر الأطباء من النظر إلى قرص الشمس عند الكسوف؟

لا شكّ أن حدث كسوف الشمس الكلي هذا اليوم قد غطّى على جميع الأحداث العالمية، وأصبح حديث الناس كلّهم حتى أولئك الذين لم يتمكّنوا من مشاهدته على الإطلاق.

ودائماً ما يحذّر الأطباء وبشدّة من النظر مباشرة إلى الشمس أثناء كسوفها، ويبدو أن التحذير من هذه المخاطر ليس حديثًا بل هو قديمٌ جدًّا إذ يقال أن الفيلسوف اليوناني سقراط قد حذر أفلاطون سنة 399 قبل الميلاد من حدوث إصابات شديدة في العين عند النظر إلى الشمس مباشرة عند الكسوف.

ولكن رغم كل هذه التحذيرات، لا زلنا نسمع عن حالات تشوش في الرؤية وبقع سوداء في العين سببها التحديق المباشر في قرص الشمس أثناء الكسوف.

وجدير بالذكر أن الإصابات ذاتها تظهر عند الأشخاص الذين يحدّقون في قرص الشمس في الأيام العادية، والفارق الوحيد هو ازدياد الرغبة بالنظر إلى القرص عند كسوف الشمس.

لماذا تسبب أشعة الشمس هذا الضرر الكبير للعين؟

كانت الفكرة السائدة في السابق هي أن الأضرار التي تصيب العين ناتجة عن الحرارة، إذ اعتبرت العين بمثابة عدسة مكبّرة تسبب احتراق شبكية العين عند النظر إلى قرص الشمس مباشرة، وقد كانت هذه الفكرة مقبولة حتى عام 1962 حيث أثبت الطبيب Johannes J.Vos خطأ هذه الفرضية.

درس Vos التغير الموقعي لدرجة حرارة شبكية العين عند تعرضها المباشرة لأشعة الشمس، وقد وجد بأنّه إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن توسع العين الطبيعي عند التعرض إلى الضوء الساطع يكون بمقدار 2 ملم فإن الطاقة الشمسية ستتسبب في ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين فقط، وهذا ما يحدث عند إصابة الإنسان بالحمّى.

ولكي تسبّب الطاقة الشمسية في احتراق شبكية العين، يجب أن ترتفع درجة الحرارة بمقدار 10 درجات مئوية على الأقل حتى يطبخ البروتين الموجود في العين كما يطبخ البيض.

افترض Vos بعد حصوله على هذه النتائج أن سبب الإصابات هو حدوث خلل أيضي، وعرّف هذه الظاهرة بأنّها تجمع لفضلات نواتج عملية كيميائية حيوية في الخلايا.

بعد أربع سنوات درس البروفيسور Werner K.Noell المتخصص في علم وظائف الأعضاء في جامعة بوفالو تأثير تعرض الفئران المهقاء لضوء فلورة منخفض الطاقة ولفترات زمنية طويلة. نظرًا لانخفاض طاقة الضوء المستخدم في التجربة وعدم قدرته على رفع درجة حرارة أنسجة الحيوانات، استنتج الفريق البحثي أن الضرر الحاصل في شبكية العين ناتج من عملية كيميائية ضوئية وليست حرارية.

إذا ماذا يحصل داخل العين عند التحديق المباشر لقرص الشمس؟

يقول Malgorzata Rozanowska محاضر في جامعة Cardiff University: “هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن مركب all-trans-retinal هو سبب المشكلة”.

All-trans-retinal هو هكسين حلقي ترتبط به سلسلة طويلة تنتهي بالألديهايد، وهو مركب أساسي للنظر. تحتوي خلايا العين العصوية والقمعية على بروتينات مستقبلة للضوء تحتوي المركب 11-cis-retinal. يحفز الضوء الساقط على هذه البروتينات عملية تحول هذا المركب إلى الآيزومر all-trans-retianl، والذي يحفّز بدوره سلسلة من الأحداث في الخلية والتي تؤدي إلى إنتاج إشارة كهربائية. وبهذه الطريقة تتواصل العصبونات المتجاورة عند امتصاص الفوتون.

عادة ما تختزل الإنزيمات الموجودة في العين مركب all-trans-retianl إلى الكحول المقابل all-trans-retinol والمعروف باسم فيتامين A، والذي يتفاعل بدوره ليعيد إنتاج 11-cis-retinal ويعيد تشكيل الرودوبسن Rhodopsin (صبغة بيولوجية موجودة في شبكية العين مسؤولة تعمل كمستقبلة للبروتينات).

عند تعرّض هذا النظام إلى كميات كبيرة من الضوء – كأن يحدّق الإنسان لحظة كسوف الشمس لفترة طويلة – ترتفع مستويات all-trans-retinal ويبدأ المركب بامتصاص طاقة الضوء بصورة مباشرة، الأمر الذي يتسبب في تحفيز أحد إلكترونات هذا المركب ونقله إلى الحالة الأحادية Singlet state قصيرة العمر. من الممكن في هذه الحالة حدوث عملية تدعى بالعبور داخل النظام Intersystem Crossing لينتقل الإلكترون من الحالة الأحادية إلى الحالة الثلاثية Triplet state ذات العمر الأطول. في هذه الحالة يمكن لـ all-trans-retinal أن يتفاعل مع الأكسجين منتجًا مركبات أكسجينية مختلفة وذات فعالية كبيرة، مثل جذور الهيدروكسيل الحرة، الأمر الذي يتسبب في حدوث سلسلة من تفاعلات الجذورة الحرة ذات الضرر الكبير.

تعمل مركبات الأكسجين الفعّالة هذه على أكسدة مركبات مهمّة للغاية في العين، منها البروتينات والأحماض الدهنية غير المشبعة مثل docosahexaenoate والذي يساعد على نقل المواد الغذائية والرسائل الكيميائية إلى شبكية العين، وهنا تبدأ المشكلة.

لذا ننصحك بأن لا تحدّق إلى قرص الشمس بصورة مباشرة، وإن كنت لا تستطيع مقاومة رغبتك العارمة للقيام بذلك، فعليك حينئذ ارتداء النظارات المخصّصة لذلك عند مشاهدة كسوف الشمس، وأفضل أنواع هذه النظارات هي تلك التي تطابق المعيار العالمي ISO 12312-2 والتي تقضي بأن تحجب النظارة 99.99% من أشعة الشمس.

المصدر:

Tien Nguyen, August 21, 2017, Chemistry explains why you shouldn’t stare at the solar eclipse without protection, c&en, Retrieved (August 21, 2017) from http://cen.acs.org/articles/95/i33/Chemistry-explains-shouldnt-stare-solar-eclipse-without-protection.html

شارك هذه المادة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى