ترجمة: سومر الحموي، الكيمياء العربي
قام فريق من الباحثين في جامعة سنغافورة الوطنية (NUS) باختراع أول حساس مستشع (فلوريسنت)(1) في العالم، يقوم بالتعيين الفوري لكمية الدسم الموجود في الحليب وسموه “ميلك أورانج”. عند مزج الحساس (ذي اللون البنفسجي الفاتح) مع عينة الحليب، وتسليط ضوء معين عليه، فإنه يرسل إشارات إشعاعية على شكل حزم برتقالية في حال وجود الدسم، ويزداد وضوحها مع ازدياد تركيز الدسم في العينة.
إنّ هذا الحساس الفريد من نوعه والذي قام بابتكاره فريق من الباحثين بقيادة البروفيسور تشانغ يونغ- تاي Chang Young-Tae من كلية العلوم قسم الكيمياء في جامعة سنغافورة الوطنية، يخضع الآن لعمليات تطوير وتحسين لصنع نسخه محمولة منه (تشبه مقياس البومية) للقياس الفوري وتعيين الدسم في الحليب، وخصوصاً في مزارع الألبان في الدول النامية. يمكن لهذا الجهاز أن يحسن من ضبط جودة عمليات تصنيع الحليب، وتحديداً في المناطق المحدودة المصدر.
تم نشر نتائج هذه الدراسة أول مرة في مجلة شبكة المراسلات الكيميائية Chemical Communications في الثامن من تموز 2014.
تعيين الدسم ونوعية الحليب:
أكثر من 6 مليارات شخص حول العالم يستهلك الحليب يومياً، مما يجعل الحليب أهم المنتجات الزراعية في الكثير من البلدان، وصناعة هامة تقدر بمليارات الدولارات. ولما كان محتوى الدسم في الحليب يرتبط مباشرة بكمية البروتين والفيتامينات، فهذا يؤثر في القيمة التسويقية والغذائية للحليب.
هناك حاجة كبيرة في مزارع الألبان الصغيرة التي تبيع حليب الأبقار للمنشآت الأكبر المنتجة لمشتقات الألبان، لجهاز دقيق، سريع، سهل الاستخدام، وغير مكلف، لتعيين كمية الدسم في الحليب. هكذا جهاز يساعد المزارعين في فرز وتسعير أصناف الحليب المعدة للبيع، مما من شأنه تحسين عملية ضبط جودة تصنيع الحليب.
هنالك عدة طرائق لفحص محتوى الحليب(2)، مثل جهاز التحليل باستخدام الأشعة تحت الحمراء Infrared Analysis، وجهاز اللاكتومتر Lactometer، وجهاز جيربر Gerber.
إنّ طريقة الأشعة تحت الحمراء فائقة السرعة إلا أنها معقدة ومكلفة جداً، وأجهزة اللاكتوميترز بسيطة واقتصادية لكنها لا تعطي نتائج دقيقة. أما طريقة جيربر فتعطي نتائج دقيقة لكن هنالك صعوبات تتعلق بها خصوصاً بسبب استخدام حمض الكبريت الخطر. وهذا يجعل من هذه الطرق الثلاثة غير محببة وتحتاج أشخاص مختصين لاستخدامها.
طريقة اللاكتوميتر: وهو جهاز استشعاري بسيط يغمس في العينة فيقوم بتحديد كمية الدسم والمحتوى الصلب واللاكتوز والبروتين والملح، إلا أنه غير دقيق ويعطي قراءة تقريبية. يستخدم في الحالات التي يتوقع فيها بأنّ الحليب مغشوش، ويمكن لأي شخص استخدامه.
طريقة جيربر: يضاف لعينة الحليب كمية محسوبة من حمض الكبريت المركز ويسخن المزيج. فيتفاعل مع الدسم ويتم تمرير العينة على الجهاز الذي يحدد تركيز الدسم. يضاف الكحول عادة إلى العينة لتخفيض درجة تفاعل الحمض مع الدسم فلا نضطر إلى التسخين.
ميلك أورانج: أول جهاز يستخدم تقنية الفلوريسنت لتعيين كمية الدسم
تم استخدام أصبغة الفلوريسنت بشكل كبير كمستشعرات لأغراض تحليلية بسبب حساسيتها العالية واستجابتها السريعة وبساطة استخدامها.
قام فريق الباحثين تحت إشراف البروفيسور تشانغ برصد ودراسة أكثر من 10 آلاف صبغ فلوريسنت، وهي جزء من مجموعة متنوعة جداً من الأصبغة المستشعة Diversity Oriented Fluorescence Library – DOFL والتي قام البروفيسور تشانغ بدراستها وتطويرها طيلة العقد الماضي.
نجح الباحثون أخيراً بتعيين مركب بنفسجي فاتح غير سام يعطي تحت تأثير الضوء اشارات استشعاعية تراكمية على شكل حزم برتقالية تتغير شدتها اللونية بتغير تركيز الدسم في الحليب. وقام الفريق بإجراء عدة تجارب عليه للتأكد أنه يستجيب لتغيرات الدسم فقط ولا يتأثر بالمكونات الأخرى للحليب كالبروتين.
قام الفريق، للتأكد من صحة عمل هذا المركب، بإجراء اختبارات على 16 عينة من الحليب المتوفر في الأسواق المحلية ومن 7 أنواع مختلفة. وأثبتت التجارب أنه قابل للاستخدام في كل أنحاء العالم ويعطي نتائج دقيقة وسريعة.
ويقوم فريق البروفيسور تشانغ بتطوير جهاز محمول على هذا المبدأ لقياس تراكيز الدسم في الحليب، بحيث يكون سهل الاستخدام وغير مكلف. والأهم أنه يعمل في أي مكان ولا يوجد حاجة لأخذ العينة إلى المخبر.
ويعمد الفريق أيضاً لتأسيس شركة وسيطية ربحية لتسويق هذه التقنية، ويتطلعون للعمل مع الشركات المصنعة لمنتجات الحليب لتطبيق هذه التقنية والمساعدة في تحسين وتطوير عملية ضبط الجودة لتصنيع الحليب ومشتقاته.
____
(1) ملاحظة المترجم: حساس مستشع (Fluorescent sensor) هي عبارة عن جهاز يحوي أصبغة عضوية، تتألق عند تسليط ضوء معين عليها، مثل الفلوريسين والرودامين، أو بتأثير فرق كمون كهربائي (مصباح الإضاءة – النيون) وتدعى هذه الظاهرة بالفلوَرَة Fluorescence. وتختلف عن ظاهرة الفسفرة Phosphorescence، بأنّ التألق يختفي حالما يزول المؤثر فوراً. بينما يستمر أثر الفسفرة من ثانية حتى عدة ساعات بعد زوال المؤثر.
(2) ملاحظة المترجم: طريقة الأشعة تحت الحمراء تتم باستخدام جهاز مطيافية IR، حيث يقوم الجهاز برسم مخطط بياني خاص بالعينة يظهر عليه قمم موجية. يقوم الكيميائي المختص بتحديد القمة الخاصة بالدسم واللاكتوز والكازين ويحسب تركيزها.
المصدر: