
إعداد: ميشيل رحال، الكيمياء العربي
تتواجد البلورات من حولنا في كل مكان، كالمعادن الخام، الأحجار الكريمة، الألماس الطبيعي، السيليكات، وتتواجد أيضاً في أشكال أخرى مثل ندف الثلج، والأملاح وغيرها، وقد تعامل معها الانسان منذ آلاف السنين لكنه لم يكن له أي تصور عن مدى جمالية، وتعقيد البنى البلورية.
اليوم، لا يمكننا اليوم تخيل تطوير مواد جديدة كالخلائط المعدنية و السيراميك و الألياف البوليميرية، أو معرفة عمل الإنزيمات (نوع من البروتينات) في أجسامنا، أو معرفة المركب الكيميائي المصطنع هو المطلوب، و غيرها من التطبيقات الهامة، من غير دراسة البنى البلورية هذه المواد، باستخدام الأشعة السينية X-Rays.
كان للعديد من العلماء إسهامات كبيرة من أجل ظهور علم البلورات، مثل رونتجن Wilhelm Röntgen الذي اكتشف الأشعة السينية وبراغ William Henry Bragg الذي وضعه قانونه التجريبي الشهير في دراسة زوايا انعراج الأشعة.
حصل العالم الألماني ماكس فون لاو Max Von Laue سنة 1914 على جائزة نوبل للفيزياء، لاكتشافه كيف يمكن للبلورات أن تحيد (تعرج) الأشعة السينية، وهي الظاهرة التي قادت لاكتشاف البلورات باستخدام الأشعة السينية. ومنذ ذلك الحين، استخدم العلماء الانعراج لدراسة البنى البلورية لجزيئات ذات بنى أكثر تعقيداً، بدءاً من المعادن البسيطة إلى المواد ذات التطبيقات التكنولوجية الراقية مثل الغرافين والبنى البيولوجية، من ضمنها الفيروسات. مع زيادة التحسينات على هذه التكنولوجيا، فقد زادت وتيرة الاكتشافات، عشرات الآلاف من البنى الجديدة يتم الحصول عليها سنوياً. إنّ دقة الصور البلورية للبروتينات قد مرت بعتبة حرجة للتمييز بين الذرات المفردة خلال التسعينيات من القرن الماضي، وتعد مصادر جديدة من الأشعة السينية بصور أكثر دقة للبروتينات والتي هي من الصعب أن تصبح بلورات كبيرة.
لنتخيل أنه يوجد بروتين في الجسم وهو المسؤول عن الحفاظ على ضغط الدم بشكل ثابت، وهو لا يقوم بعمله بشكل جيد، بالتالي سوف يرتفع ضغط الدم. بمعرفة البنية ثلاثية البعد للبروتين (وهي عمل أجهزة انعراج الأشعة السينية)، سيكون من الممكن تصميم دواء يقوم بجعل البروتين يعود لعمله.
مثال آخر، من المعروف قديماً أنه من أجل تشكيل الفولاذ يجب تسخين الحديد لدرجات حرارة لأعلى من 900 درجة مئوية وتعريضه لمنبع يعطي الكربون الذري مثل الخشب، تحت هذه الدرجة لا يستطيع الحديد أن يستقبل ذرات الكربون، بينما فوقها يستطيع، تمت معرفة ذلك كون البنية البلورية للحديد تحت 900 درجة مئوية هي bcc بنية بلورية مكعبة مركزية الجسم Body-Centered Cubic، بينما فوق 900 درجة مئوية هي fcc بنية بلورية مكعبة مركزية الوجوه Face-Centered Cubic، وهي البنية الموافقة لأن يستقبل الحديد مقداراً معيناً من ذرات الحديد، لم يتم معرفة كيفية توضع ذرات الكربون ضمن بنية الحديد لولا دراسة البنية البلورية للحديد، وتحديد المواضع التي تستقر ضمنها ذرات الحديد، وكيف يمكن زيادة/تخفيض كمية الكربون بحسب بنية الحديد البلورية.
[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”]من أجل التبسيط، تتألف أي مادة بلورية من وحدة أساسية أي Unit Cell تتوضع الذرات فيها ضمن مواضع توازنية محددة، تتكرر الوحدة البنيوية دورياً في الفراغ لتشكل شبكة ضخمة من الوحدات الأساسية وتسمى بالشبكة البلورية Lattice، وذلك بانتظام وتناظر عاليين، وسبب استخدام الأشعة السينية، هو أنها أشعة ذات طول موجة صغير جداً من مرتبة الآنغستروم، وهي تساوي المسافة ما بين الذرات.
كانت فكرة فون لاو هي أنه إذا مرت أشعة سينية من خلال بلورة، سوف تتبعثر من خلال ذرات العينة ضمن اتجاهات محددة، ومن ثم تتداخل الأشعة مع بعضها. في بعض المناطق سوف تتراكب الأمواج مع بعضها، بينما في مناطق أخرى سوف تنفي بعضها.
بقياس هذه الاتجاهات وشدة الأشعة المتبعثرة، يستطيع العلماء على تشكيل صورة ثلاثية الأبعاد للبنية الذرية للبلورة.
يمكن استخدام نمط الانعراج لحساب مواضع الذرات التي بعثرت الأشعة السينية الواردة. استطاع فون لاو مع زملائه بتأكيد هذه النظرية بدراسة عينة من كبريتات النحاس سنة 1912.
تتالت بعدها اكتشاف البنى البلورية للعديد من المواد، مثلاً الألماس سنة 1913، الكوارتز (أوكسيد السيلسيوم) 1925، الحمض النووي 1952، العديد من البروتينات في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أشباه البلورات سنة 1984، الريبوزوم سنة 2000.
لم يقتصر استخدام الأشعة السينية على كشف البنى البلورية، فمن خلالها تمت معرفة البنى غير البلورية Amorphous، والتي تسمى أيضاً بالبنى الزجاجية، مثل بنية الزجاج، بنى المواد البوليميرية مثل المطاط و البلاستيك والريزينات، حيث انعكس ذلك على واحد من أهم أسس علم المواد وهو ربط البنية بالخواص، حيث لوحظ مثلاً أنّ المواد البلورية تملك خواصاً مغايرة تماماً لخواص المواد عديمة الشكل، مثل الخواص الفيزيائية (الضوئية-الحرارية-الكهربائية) والخواص الميكانيكية خصوصاً عند دراسة الاتجاهات التي تكون مقاومة المادة فيها أعظمياً وأصغرياً، فغالباً ما تكون خواص المواد عديمة الشكل نفسها في جميع نواحي الجسم، بينما تتعلق هذه الخواص بالاتجاه وتكون أعظمية في اتجاه التكتل الأكبر للذرات بينما تكون أصغرية في المناطق ذات الكثافة المنخفضة للذرات، وعلى أساس هذه الدراسات يتم اليوم تحسين خواص المواد، وهندسة مواد جديدة بالخواص المرغوبة.
المصدر:
Crystallography: Atomic secrets. (n.d.). Nature.com. Retrieved October 2, 2014, from http://www.nature.com/news/crystallography-atomic-secrets-1.14608
Crystals shape our world. (n.d.). United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization. Retrieved October 2, 2014, from http://www.unesco.org/new/en/natural-sciences/science-technology/basic-sciences/infocus-bes/international-year-of-crystallography-2014/
International year of crystallography. (n.d.). iycr2014. Retrieved October 2, 2014, from http://www.iycr2014.org/
X-ray Crystallography. (n.d.). Project CRYSTAL: Crystallographers Researching with Young Scientists: Teaching And Learning. Retrieved October 2, 2014, from http://www.projectcrystal.org/hl-xray-crystallography.html
[/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]