باحثون سوريون يستخدمون بذور التمر لامتصاص المواد السامة

إنه لإنجاز جدير بالذكر أن تكتشف طريقة لاستخدام مادة تعتبر من النُفايات لتنظيف مواد كيميائية خطيرة. وربما من المذهل أكثر أن تفعله في خضم ظروف الحرب والنزاعات. هذا ما قد فعله عبد السميع هنانو من هيئة الطاقة الذرية السورية في دمشق بمساعدة بعض الأصدقاء الأجانب. حيث طوّر الدكتور هنانو من قسم البيولوجيا الجزيئية التابع للهيئة وزملاءه خلال الأربع سنوات الماضية طريقة لاستخدام بذور (نواة) التمر، الناتجة في مصانع تعليب التمور، لإزالة Dioxins الديوكسينات[1] وهي نوع من الملوثات العضوية السيئة والثابتة والتي قد تؤدي إلى مشاكل تناسلية، ومشاكل في النمو، وأضرار على الجهاز المناعي وحتى قد تسبب السرطان. تُنتج الديوكسينات بشكل رئيسي كمنتج جانبي للعمليات الصناعية.

اختار د. هنانو بذور التمر من أجل هذه المهمة لثلاثة أسباب. أولها أنّ هذه البذور غنية بالزيوت التي تمتلك ألفة مع الديوكسينات وثانياً هذا المحتوى من الزيوت ليس مميزاً أو فريداً مثل المحتوى الزيتي لبذور أخرى (الزيتون olive، الشَلجم rape، السمسم sesame، وغيرها من البذور)؛ لذلك لا يمتلك قيمة تجارية. أما ثالثاً على الرغم من ضعف قيمتها التجارية إلّا أنها متوفرة.

لم يكن هدف د. هنانو الزيت بحد ذاته وإنما استخلاص القطيرات كاملة التي تختزن هذا الزيت داخل البذرة. حيث تحتوي هذه القطيرات إلى جانب الزيت، بروتيناً يساعد في تماسكها. وكل قُطيرة محاطة بغشاء مكوّن من مادة تدعى الفوسفوليبيد Phospholipid، التي على عكس الزيت، محبّة للماء. هذا يعني أنه عند مزج القطيرات مع الماء سيتكوّن مستحلب ثابت.

في البداية، طرّى د. هنانو وزملاءه بذور التمر بنقعهم في الماء لأسبوعين، ثم يستخرج اللب ويثفّل. تفصل هذه الطريقة القطيرات عن باقي المادة اللزجة للبذور كمستحلب كريمي. وهكذا بعدها كان السؤال عن اختبار قدرة هذه المستحلب على استخلاص الديوكسينات من الماء. وقد فعلت هذا جيداً كما صرّحت المجموعة في مجلة Frontiers in Plant Science. أثبتت قطيرات أغشية الفوسفوليبيدات بعدم وجود حاجز على مرور الديوكسينات التي تراكمت بشكل مرضي في الزيت. يصف أحد المتعاونين مع د. هنانو -وهو دينس مورفي Denis J. Murphy من جامعة جنوب ويلز University of South Wales في بريطانيا- القطيرات أنها تتصرف كمغناطيسات صغيرة للديوكسينات، ويقول: “خلال دقيقة تسحب كل الديوكسينات نظرياً من المحلول، إنه سريع جداً!”.

وبشكل محدد تمتص القطيرات 2، 3، 7، 8-رباعي كلوروديبنزو بارا ديوكسين 2,3,7,8-tetrachlorodibenzo-p-dioxin. (مبيد عشبي شديد السمية يعد من إحدى مكونات سلاح Orange Agent الذي استخدم لتدمير الغطاء النباتي من قبل الأمريكيين في حرب الفيتنام). ما إن يستخلص الديوكسين بالقطيرات فإنه لا يخرج أبداً لتآلفه مع الزيت. ويبقى التخلص منهم مجرد مسألة شفط القطيرات (التي ستطفو على سطح المياه الحاوية للديوكسين) ويتم تدميرهم بأمان في فرن.

الفكرة الأولى للدكتور هنانو كتطبيق عملي لاختراعه هي في تنظيف مزارع الأسماك. بالرغم من أن التلوث بالديوكسين في أغلب أجزاء البحر بمستوى منخفض إلا أنه يميل ليصبح أعلى بقرب الشواطئ حيث تتواجد مزارع الأسماك بسبب السيول من اليابسة. علاوة على ذلك الديوكسين ومثل بعض الملوثات البحرية الأخرى لا يتدمر أو يُطرح أبداً، لذا يتراكم تدريجياً في لحم السمك والمحار. ستمنع من حدوث ذلك كبسولات تحتوي القطيرات الماصة للديوكسين تدوّر من خلالها المياه المحتفظة في مزرعة الأسماك.

كما يأمل الباحثون أن يكون استصلاح الأراضي الملوثة من بين خياراتهم، على الرغم أنه عليهم العمل على كيفية استرداد القطيرات حالما يُرش المستحلب على الأرض الملوثة. على كل حال، سيكون لديهم زبائن كثر إذا استطاعوا فعل ذلك لأن المواد مثل2، 3، 7، 8-رباعي كلوروديبنزو بارا ديوكسين ثابتة مع الزمن لدرجة أن الفيتناميين ما زالوا يحاولون تنظيف الفوضى التي أحدثها Orange Agent.

___

[1] الديوكسينات هي مجموعة من المواد المركبة المترابطة كيميائياً كما أنّها من الملوثات البيئية الثابتة. وقد تم تحديد زهاء 419 نوعاً من المركبات ذات الصلة بالديوكسينات، غير أنّ ثمة 30 مركباً منها فقط يملك قدرة كبيرة على إحداث التسمّم، علماً بأنّ 2، 3، 7، 8-رباعي كلوروديبنزو بارا ديوكسين هو أكثرها سميّة.

المصادر:

الديوكسينات وآثارها على صحة الإنسان، منظمة الصحة العالمية، صحيفة وقائع رقم 225، (2014).

Hanano, A., & et al. Biochemical, Transcriptional, and Bioinformatic Analysis of Lipid Droplets from Seeds of Date Palm (Phoenix dactylifera L.) and Their Use as Potent Sequestration Agents against the Toxic Pollutant, 2,3,7,8-Tetrachlorinated Dibenzo-p-Dioxin. Front. Plant Sci. DOI: 10.3389/fpls.2016.00836

It’s the pits – Syrian researchers use date stones to suck up toxic materials. (June 18, 2016). The Economist. Retrieved June 18, 2016, from http://www.economist.com/news/science-and-technology/21700619-syrian-researchers-use-date-stones-suck-up-toxic-materials-its-pits?frsc=dg%7Ca

شارك هذه المادة!
Exit mobile version