لا يمكن اليوم الحديث عن التقدم الصناعي، بدون الحديث على مقدار التلوث المرافق له. فمنذ الثورة الصناعية، ازداد انبعاث الغازات الملوثة والمسببة للاحتباس الحراري بشكل متزايد على مر السنين. وفي العصر الحديث ظهرت العديد من الاتفاقيات التي تحد البلدان من إصدار الغازات مثل اتفاقية كيوتو، وذلك نتيجة للتغيرات المناخية التي تتعرض لها الأرض، والتي تنبىء بكوارث بيئية مستقبلة.
لذلك عمل البروفسور ستيوارت ليخت Stuart Licht مع فريقه البحثي في جامعة جورج واشنطن George Washington University، لفترة طويلة على ابتكار طرق كيميائية خضراء، للاستفادة من الأشعة الشمسية في مجال وخصوصاً ثنائي أوكسيد الكربون وباستخدام تفاعلات كيميائية بسيطة، من أجل الوصول لطرق جذرية لمواجهة التغيرات المناخية، بحيث يتم استبدال مصادر الطاقة الحالية والمعتمدة على الوقود الأحفوري، إلى مصادر أخرى تؤسس لاقتصاد متجدد يعتمد على الكيمياء، يستبدل عن طريقه لغازات الاحتباس الحراري، التي تتضمن المعادن والوقود، إلى كيمياء رخيص ويعتمد كلياً على الأشعة الشمسية.
قام الفريق على مدى سنوات طويلة بابتكار طريقة العملية الشمسية الحرارية المعتمدة على الكهروكيمياء Solar Thermal Electrochemical Process – STEP، وتم تسخيرها لعدة مجالات مثل معالجة المياه، اصطناع الأمونيا، إرجاع المعادن لشكلها الحر، تشكيل الاسمنت، وأخيراً سحب ثنائي أوكسيد الكربون من الجو.
لقد كان الهدف من استخدام الطاقة الشمسية الحرارية هو لتخفيض كمون الكهرليتات والتي يتم استخدامها ضمن السوائل، الغازات أو الكهرليتات في الطور الصلب وذلك ضمن خلايا تحلل كهرليتية. يمكن استخدام هذه الخلايا بالاعتماد على الطاقة الشمسية الحرارية كونها تكيف كلاً من الحركية عند كثافة تيار مرتفعة وكمونات تحلل كهربائي منخفضة الامتصاص للحرارة. يمكن لخلايا الأملاح المنحلة أن تكييف تراكيز مرتفعة من المواد المتفاعلة والتي تقود إلى انخفاض أكبر في كمون التحلل الكهربائي (وذلك تبعاً لقانون نرنست). مثلاً تمتص الكربونات المنحلة والتي تحوي على الأوكسيد المنحل، ثنائي أوكسيد الكربون الجوي CO2 ولها ميزة تخفيض تركيز الكربون رباعي التكافؤ (على شكل كربونات)، هو 106– مرة أكبر من الموجود في الهواء (على شكل CO2).
- توليد الهيدروجين لاستخدامه كوقود من ثنائي أوكسيد الكربون الجوي
هناك حاجة كبيرة لاستخدام الوقود من مصادر غير أحفورية، وقد نشر ليخت وفريقه سنة 2002 طريقة شمسية-كهروكيميائية للحصول على الهيدروجين من الماء وبمردود وصل حتى 50% باستخدام طيف أشعة الشمس. يعتبر تحلل الماء كهروكيميائياً ماص للحرارة، مما يتطلب كمون منخفض عند درجات الحرارة المرتفعة. يعتبر الكمون الكهرليتات الشائعة، مثل كمون فصم رابطة هيدروجين-اوكسيجين E(H2O → H2+1/2O2) = 1.23 V، هو أكبر من الكمون الضوئي للأشعة الشمسية لأنصاف النواقل المعتمدة على المجال المرئي من الضوء. يمكن أن تكون حرارة الشمس مصدراً فعالاً للتسخين من أجل تخفيض الكمونات اللازمة للتحلل الكهربائي، مما يفتح المسارات المحجوبة كمونياً والتي تحدث بانتقال الشحنة.
إنّ فصم الرابطة أوكسجين-كربون من جزيئة CO2 بطرق غير مكلفة هو حلم العديد من الكيميائيين، لكن بسبب الاستقرار التيرموديناميكي للجزيئة ضمن مجال واسع من درجات الحرارة.
ظهر العديد من المحاولات لفصم الرابطة ضوئياً، باستخدام أنصاف النواقل الفوتوفولطائية Photovoltaics Semiconductors مثل ثنائي أوكسيد التيتانيوم TiO2، لكن كان معامل تحويل العملية دوماً منخفض عند درجة حرارة الغرفة، بسبب ارتفاع الفجوة الطاقية للأوكسيد (Eg > 3 eV)، مما يجعل جزءاً يسيراً من طيف الأشعة الشمسية قابلاً لأن يكون مفيداً لعملية الإثارة الضوئية.
لا تكفي الطرق الحرارية أو الطرق الكهربائية لوحدها، لذلك كان الهدف هو استخدام التحلل الكهربائي Electrolysis عند درجات حرارة منخفضة، وذلك بآلية تفاعل متعددة المراحل.
تستخدم طريقة STEP الأشعة تحت الحمراء الصادرة عن الشمس. لتسخين وسط التفاعلات الكهروكيميائية Electrochemical Reactions. بدلاً من ضبط الفجوة الطاقية لنصف الناقل، تقوم بضبط كمون أكسدة/إرجاع لكي تساير الفجوة الطاقية. حيث تخفض الحرارة الطاقة اللازمة لكي تسير التفاعلات وبذلك بتخفيض كمونات التحلل. تستخدم طريقة STEP الطاقة الشمسية لتحريك المسارات المحجوبة طاقياً، والتي تتضمن انتقال الشحنة. تجمع هذه العملية بين عناصر فيزياء الجسم الصلب، العزل (الإضاءة الشمسية)، والتحويل الطاقي الكهروكيميائي المرتفع. تتحسن حركية التفاعل، بالإضافة لانخفاض الكمونات التيرموديناميكية لامتصاص الحرارة مع ازدياد درجة الحرارة. ينتج عن ذلك فعل تآزري يؤدي لتحويل مجال واسع من طيف الأشعة الشمسية، إلى طاقة مفيدة.
ما يجعل من هذه العملية ذات فعالية عالية:
1. الحرارة الفائضة، كالحرارة الغيير مستخدمة ضمن الخلايا الشمسية، فيمكن استخدامها لزيادة درجة حرارة خلية التحلل الكهربائي.
2. رفع نسبة النواتج إلى المتفاعلات وذلك مفضل حركياً وتيرموديناميكياً بالنسبة للنواتج.
التفاعلات:
H2O → H2 + 1/2O2 التفاعل الإجمالي
2H2O+2e– → H2 + 2OH– تفاعل المهبط
2OH– → 1/2O2 + H2O + 2e– تفاعل المصعد
مع رفع درجة الحرارة، فإن انخفاض كمونات التأكسد لتحريك التفاعلات الكهروكيميائية هو معروف جيداً، يؤدي لانخفاض ملموس في الطاقة الالكترونية (كمون التحلل الكهربائي)، المطلوب لتشكيل النواتج. يمكن ضبط امتداد انخفاض كمون الأكسدة/الإرجاع Eredox باختيار المكونات الأساسية ودرجة حرارة الوسط. تفضل هذه الطريقة الإشعاع الذي هو كاف طاقياً من أجل انتقال الشحنات ضمن الخلية الكهراضوئية، وتطبق كل الطاقة الحرارية الشمسية الفائضة لتسخين تفاعل التحرر الحراري.
تشكيل ألياف نانومترية من الكربون
ضمن آخر بحث منشور من قبل فريق البروفسور ليخت، تم الحصول على ألياف نانومترية من الكربون وذلك باستخدام طريقة STEP.
تعد طريقة فريق ليخت هي أول طريقة لتشكيل ألياف نانومترية من الكربون، وذلك بطريقة تعتمد على الكهروكيمياء والأشعة الشمسية. حيث تستخدم ألياف الكربون النانومترية كمواد مكثفة، بطاريات أيونات الليثيوم، والحفازات الكهروكيميائية.
[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”]يوجد العديد من طرق تشكيل الألياف النانومترية للكربون، حيث تعتمد على كربنة الألياف الصنعية مثل ألياف البولي أكريل نتريل، الرايون، أو استخدام الغازات الهيدروكربونية، بطريقة توضيع الأبخرة الكميائية Chemical Vapor Deposition – CVD، أو بطرق البلازما أو انفراغ القوس الكهربائي Plasma/Arc Techniques.
أظهر فريق ليخت اهتماماً بتشكيل ألياف الكربون النانوية، لكن بطريقة نظيفة كلياً، وذلك بالاعتماد على غاز ثنائي أوكسيد الكربون الجوي.
تتم العملية باستخدام الكترودات غير مكلفة مثلل النيكل والفولاذ، وبحضور محلول كربونات الليتيوم.
ضمن الوسط التفاعلي، يتم إرجاع الكربونات إلى كربون حر يترسب على المهبط، والاوكسيجين ينطلق على المصعد:
Li2CO3(molten) → C(solid) + Li2O(dissloved) + O2(gas)
يمكن كتابة التفاعل الكلي:
CO2(atmospheric or stack) → C(solid) + O2(gas)
يعود الوسط التفاعلي ويمتص ثنائي أوكسيد الكربون من الجو وفق التفاعل التالي:
CO2 + Li2O(dissolved) ⇆ Li2CO3(molten)
في المحاولات الاولى لهذا التفاعل، تم الحصول على مزيج من الغرافيت والبنى الكربونية عديمة الشكل، لكن بعد تحسين التفاعل عن طريق إضافة مواد تساعد على تبلور الكربون مثل بلورات النيكل النانومترية، فقد تم الحصول على ألياف نانومترية من الكربون.
تضمنت الدراسة أيضاً إمكانية رفع إنتاج الكربون، حيث كان يتم إنتاج 0.1غ/ساعة غ من ألياف الكربون عند مرور تيار شدته 1A باستخدام خلية مساحتها 300 cm2، عند رفع شدة التيار إلى 100A، لم تتغير قيمة الانتاج حيث أصبحت 1غ/ساعة. يقوم حالياً الفريق البحثي دراسة تيار شدته 660A يمر بخلية مساحتها 800cm2.
ما يدفع البروفسور ليخت لأي يمض قدماً بهذه الطريقة، هو اعتبارها أكثر الطرق نجاحاً في تشكيل ألياف الكربون النانومترية:
1. جميع طرق تشكيل ألياف الكربون هي مكلفة، كونها تعتمد على كربنة المواد البادئة (صنعية/طبيعية) ضمن أفران عند درجات حرارة عالية، حيث يكلف الطن الواحد من الألياف حوالي 25 ألف دولار.
2. المواد البادئة هي مواد كيميائية بسيطة ومتوفرة بسهولة وغير خطرة مثل كربونات الليتيوم، بعض الأملاح، وطبعاً ثاني اوكسيد الكربون من الجو، ووحدة الاصطناع هي خلية كهروكيميائية بسيطة.
3. الطريقة صديقة للبيئة بشكل كامل.
ويعتقد بروفسور ليخت أن سوق ألياف الكربون مازالت في مرحلتها البدائية كما هو حال المواد البلاستيكية بعد الحرب العالمية الثانية (على الرغم من أن اولى المحاولاتت لاصطناع الألياف بدأ منذ ستينيات القرن الماضي)، بحيث أن تكثيف الأبحاث حول هذه العملية سيقود إلى رفع مستوى الانتاج لترقى للانتاج الصناعي، بالتالي تخفيض تكاليف إنتاج الألياف وانتشارها بشكل ضمن التطبيقات التي تحتاج لمواد متقدمة، مثل البناء، مواد خزن الطاقة، الالكترونيات النانوية.
معلومات إضافية:
الخلية الفوتوفولطية Photovoltaic Cells – PV cells: نظام ضوئي يقوم بتحويل الطاقة الشمسية إلى تيار كهربائي، مكونه الأساسي نصف ناقل (العنصر الفعال) له فجوة طاقية تقع عادةً ضمن المجال المرئي.
قانون نرنست Nernst Law: قانون رياضي يربط بين كمونات تأكسد العناصر والمركبات الكيميائية، مع المتغيرات مثل درجة الحرارة والتركيز، وعن إدخال المعطيات يعطي قيمة عددية تعد كمؤشر لمدى تلقائية التفاعل الكيميائي عند شروط التجربة.
المهبط Cathode: هو المسرى الذي يحصل عليه إرجاع المركبات الكيميائية
المصعد Anode: هو المسرى الذي يحصل عليه أكسدة المركبات الكيميائية.
اصطناع الأمونيا: يتم اصطناع الأمونيا وفق طريقة هابر-بوش Haber-Bosch Process وذلك بإدخال غازي الهيدروجين والنيتروجين بضغوط مرتفعة إلى حجر مغلقة. تعتبر هذه العملية ملوثة للبيئة كونها مستهكلة للطاقة من أجل الحصول على ضغوط مرتفعة من الغازات المتفاعلة ولرفع درجة حرارتها، وهي أيضاً عملية خطرة كونه يبقى احتمال حصول انفجار ضمن حجرة التفاعل.
إرجاع الحديد: يتم الحصول على الحديد الحر عن طريق إرجاعه من أكاسيده ومركباته ضمن الأفران العالية، وتسمى هذه العملية بتعدين الحديد. تعد هذه الطريقة هي الأقدم للحصول على الحديد الحر للاستفادة منه، وهي عملية ملوثة للبيئة كونها عملية مستهلكة بشكل كبير للطاقة بحيث ينطلق كميات كبيرة من الغازات الملوثة أثناء التعدين من الفرن.
ثنائي أوكسيد التيتانيوم: نصف ناقل يتمتع بخواص كهراضوئية، له فجوة طاقية عريضة تقع ضمن مجال الأشعة الفوق الشمسية، يستخدم كثيراً في أبحاث معالجة المياه من الملوثات العضوية، كحفاز ضوئي غير متجانس. ظهرت العديد من الدراسات لتعديل الفجوة الطاقية له عن طريق امتزاز جزيئات عضوية حاقنة للالكترونات على سطحه.
المصدر:
Ren, J., Li, FF., Lau, J., & et al (2015). One-pot synthesis of carbon nanofibers from CO2. Nano letters, 15 (9), 6142-6148. http://pubs.acs.org/doi/abs/10.1021/acs.nanolett.5b02427
The Licht Research Group. Retrieved October 11, 2015, from https://home.gwu.edu/~slicht/
[/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]