يتكون جسم الإنسان ما يقارب ١٠ ترليون خلية، ويعتبر هذا العدد هائل، ولكن هذا العدد يتضاءل جراء وجود أكثر من ٤٠ ترليون خلية بكتيرية والتي تعيش في داخل أجسامنا.
وجد العلماء حالياً أن البكتيريا المتواجدة في أجسامنا تُعرف بشكل جماعي بالميكروبيوم، والذي يشارك بشكل وثيق مع عدة جوانب في حياتنا، منها قوة جهاز المناعة وتطور خطر اصابتنا بالربو وأنواع الحساسية.
تشير البحوث الجديدة أن الميكروبيوم قد يلعب دورًا رئيسيًّا في الإضطرابات العصبية و النفسية.
عالم الأعصاب جون كريان John Cryan من جامعة كوليج كورك في إيرلندا University College Cork قال : “انه على مستوى العلوم العصبية الأساسية، جميع الآليات الرئيسيّة للدماغ قد تم تنظيمها بواسطة الميكروبيوم.”
وكما تحقق العلماء عن كيفية تأثير الميكروبيوم على أجسادنا وعقولنا، وقد تصور بعض الخبراء التغيرات الجوهرية في كيفية تشخيص الأطباء للأمراض وعلاجها.
يقول ساركيس مازمينيان Sarkis Mazmanian عالم الأحياء الدقيقة من كالتيك معهد كاليفورنيا للتقنية في باسادينا :” يوماً ما، عند ذهابنا إلى عيادة الطبيب، سوف يصف لنا أدوية لن تكون مصنوعة من مواد كيميائية في المختبر، وإنما قد تكون من البكتيريا الحية.” و أضاف : مع عمل الدم، بعض الفحوصات الطبية السنوية والتي تشمل عينات من البراز قد تعطي لمحة عن الميكروبيوم. تعقّب التغيرات في البكتيريا للتنبؤ بمخاطر أصابتك بالأمراض، قبل وقت طويل من ظهور الأعراض.
وجدت بعض التلميحات عن التأثيرات الصحية الإيجابية للبكتيريا الحية من خلال أبحاث على البروبيوتك وهي عبارة عن متممات غذائية من البكتريا الحية، و البريبيوتك وهي عبارة عن مصادر غذائية تغذي البكتريا الحية و تحافظ عليها، والذي يعتقد العلماء أنها تلعب دورًا رئيسيًّا في جهازك المناعي و كيف تشعر.
أظهرت دراسة جديدة أن العديد من الأمراض قد تتأثر بالمكيروبيوم عما كان مفهوم سابقًا.
يقول كريان :”يمكن أن تسهم البكتيريا في استخدامها بدلاً من العلاجات الكيميائية” وحتى أنه أوجد مصطلح لهذه الاحتمالية يدعى psychobiotics. مضيفًا أنه في غضون خمس سنوات، سيكون لدينا علاجات مصنوعة من الأحياء الدقيقة او الميكروبات.
الاكتشافات في البكتيريا:
في ديسمبر كشف مختبر مازمينيان عن دليل أوليّ يربط ما بين الميكروبيوم و مرض باركنسون أو الشلل الرعاشي، الذي كان يعتقد لفترة طويلة أنه بسبب اضطراب في الاعصاب ليصبح واحد من أمراض الدماغ.
يقول مازمينيان:” في البداية لم نصدق النتائج التي حصلنا عليها من البحث والتي تم إجراءها على القوارض وأعدنا الاختبار العديد من المرات ولكنها كانت تؤدي الى نفس النتيجة في كل مرة”.
الحاجة إلى العديد من التحقيقات و التحريات، ولكن هذا المفهوم الجديد لمرض باركنسون قد يساعد الباحثون لإيجاد طرق افضل لمعالجته.
دراسات مستقبلية قد تحدد نوع الميكروبات التي سيتم استعمالها، و من ثم يستطيع الباحثون على تطوير علاجات بكتيرية تساعد على مكافحة المرض.
هذه النتيجة ليست فقط حقيقة الاضطرابات العصبية : هنالك أيضًا أدلة على أن اختلال الميكروبيوم قد يكون عامل في الاعتلالات النفسية أيضاً.
وقد أظهر كريان أن نوع محدد من البكتيريا تعمل بنفس آلية مضادات الاكتئاب في تقليل مستويات هرمونات التوتر في الحيوانات التي خضعت لاختبارات الضغط.
وعلاوة على ذلك، وجد الباحثون في كلية بايلور للطب في دراسة عام ٢٠١٦، أن نوع واحد من البكتيريا الموجودة في الأمعاء سبب عجز اجتماعي في الفئران مشابه لمرض التوحد لدى البشر. بإضافة البكتيريا مجددًا في أمعاء الفئران المصابة، تمكن الباحثون من عكس السلوك العجزي لديها.
و على الرغم من ذلك، من الضروري وجود أدلة اخرى تربط ما بين الميكروبيوم و العديد من الأمراض عند البشر.
اخذ الإصابات الناتجة من البكتيريا المطثية العسيرة، والتي تقتل ١٤،٠٠٠ الف شخص أمريكي سنويًا. و من المعروف وجود صعوبات في علاجه، ولكن وجد الأطباء أنه من الممكن علاجه من خلال عملية زرع البراز وهي عبارة عن عملية يتم أخذ البراز من شخص لديه ميكروبيوم صحي و من ثم وضعها في قولون الشخص المصاب. و يؤدي ذلك إلى انتاج بكتيريا نافعة، يمكن لهذه الطريقة مكافحة المرض أفضل مما قد تفعل المضادات الحيوية.
أشار مارتن بليزر، مدير مشروع ميكروبيوم الإنسان إلى عدة أسباب تؤدي الى اختلال و عدم إتزان الميكروبيوم عند الأشخاص. و من هذه الأسباب: الإفراط في إستخدام المضادات الحيوية و استخدام مزيلات البكتريا في الطعام و مطهرات البشرة، وحتى العمليات القصرية.
بشكل طبيعي حصلنا على الميكروبيوم من أمهاتنا عند ولادتنا مروراً بقناة الولادة. ولكن بالطبع، لا تنتقل هذه الميكروبيوم لدى الاطفال الذين ولدوا بعملية قيصرية.
و نتيجة لهذه الأسباب، بعض أنواع البكتيريا تختفي في البلدان المتقدمة، مما يؤدي إلى اضطراب في وجود البكتيريا في الجسم.
على سبيل المثال، هيليكوباكتر بيلوري نوع من أنوع البكتيريا التي تختفي عند استخدام المضادات الحيوية مما يؤدي الى حدوث قرحة في المعدة، وأمراض المريء و حتى سرطان المريء ترتفع نسبة الإصابة به عند غيابها من الجسم.
و يوضح بليزر أن هذا غير مألوف، و يعتقد أن فقدان التنوع في الميكروبيوم لدينا يعتبر سبب من الأسباب للعديد من الأمراض الحديثة مثل، السكري و السرطان و حتى السمنة.
يقول بليزر:” كانت البكتيريا الميكروبية أول شكل من أشكال الحياة في الارض، و أكثرها عدداً.
و أضاف: أن كل ما تطور لاحقاً مثل البشر لابد عليهم أخذ البكتيريا في عين الاعتبار، حيث أن كل ما يوجد في الغلاف الحيوي يتطلب وجود بكتيريا فيه، ومازلنا نتعلم ما قد يعني ذلك.
المصدر:
PARSHLEY, LOIS.| Jan 26,2017.| Microbiome Science Could Bring a Revolution in Medical Care.| NBC News.| Retrieved (11/5/2017).| from: http://www.nbcnews.com/mach/science/microbiome-science-could-bring-revolution-medical-care-n710861