غيمة من المواد السامّة … بسبب تركيب خرطوم في غير مكانه!

غيمة من المواد السامّة … بسبب تركيب خرطوم في غير مكانه! ربما خطأ بسيط غير مقصود يتسبب في كارثة كبرى.

الزمان: 21 تشرين الأول/أكتوبر 2016.

المكان: مصنع بالقرب من مدينة أتشيسون في ولاية كانساس الأمريكية، وينتج مواداً كحولية مقطّرة، وعدداً من المواد الأولية المستخلصة من الحبوب (مثل نشاء القمح).

الحدث: انبعاث غيمة من المواد السامّة بسبب النقل الخاطئ لحمولة من حمض الكبريت إلى خزانٍ يحتوي على هيبوكلوريت الصوديوم.

كانت النتيجة أكثر من 140 إصابة، وقد توزّعت هذه الإصابات على عمّال المصنع وآخرين كانوا في المناطق المحيطة بالمصنع.

1 ■ عن إنتاج المصنع:

يتبع المصنع الذي شهد الحادثة لشركة MGPI الشهيرة، وقد تأسّس عام 1941، وكان حينها مجرّد وحدة تقطير صغيرة. توسّع المصنع مع مرور الزمن، ويتكوّن اليوم من قسمين رئيسيين أوّلهما مخصّص لصناعة المواد الكحولية (الغذائية وغير الغذائية).

وقعت الحادثة التي نتحدّث عنها في القسم الثاني من المصنع، وفيه يتمّ تحضير العديد من المنتجات بدءاً من الحبوب المختلفة، ويظهر هذا القسم في الصورة 1.

صورة 1: وقعت الحادثة في هذا القسم.

تُستعمل العديد من المواد الكيميائية في القسم الثاني من المصنع، ومنها حمض الكبريت الذي يعدّل درجة pH نشاء القمح، وهيبوكلوريت الصوديوم لأكسدة النشاء.

2 ■ عن تخزين المواد في المصنع:

صورة 2

سنتحدّث فقط عن تخزين المواد الكيميائية في القسم الذي شهد الحادثة…

تُخزّن المواد المعنية (وعددها خمسة) في خزّانات كبيرة عندما ترد من خارج المصنع، ولاحقاً يتمّ سحب كميات معيّنة منها إلى خزانات صغيرة لزوم عمليّات الإنتاج.

تقع ساحة تفريغ المواد الكيميائية المورّدة إلى المصنع بالقرب من الخزّانات الكبيرة، وتتوقّف الشاحنات في هذه الساحة لنقل حمولاتها إلى الخزّانات من خلال مجموعة أنابيب ووصلات يظهر بعضها في الصورة 2.

يتمّ الاستقبال الأولي لكل من هيبوكلوريت الصوديوم وحمض الكبريت في خزّانين كبيرين سعتهما تقارب 24 ألف ليتر و 32 ألف ليتر على التوالي.

3 ■ الخطأ الفادح:

في الصباح الباكر من يوم الحادثة، وصلت حمولة من حمض الكبريت إلى المصنع في نهاية دوام إحدى الورديات.

صورة 3: التُقطت هذه الصورة بعد الحادثة، ويظهر فيها القفل الذي وضعه العامل على حاملٍ معدني، ويظهر أيضاً الغطاء الذي وضعه سائق الشاحنة على الأرض.

قام أحد عمّال المصنع بمرافقة الشاحنة إلى ساحة التفريغ، وفكّ قفل الغطاء الواقي الخاصّ بالأنبوب الذي يجب أن يدخل الخرطوم فيه.

يظهر في الصورة 3 القفل الذي فكّه العامل بعد أن وضعه على حامل معدني.

 

يقول العامل أنه غادر الموقع بعد أن أشار لسائق الشاحنة إلى الأنبوب الخاص بنقل حمض الكبريت.

بعد ذلك، توجّه سائق الشاحنة نحو الوصلات المخصّصة لنقل المواد، وأزال أحد الأغطية وركّب خرطوم الشاحنة.

بدأ السائق بنقل الحمولة وهنا بدأت المشكلة :

بعد دقائق قليلة، بدأ غاز أصفر مخضر بالانبعاث من خزّان هيبوكلوريت الصوديوم، لتبدأ غيمة بالتشكّل والتوسّع تدريجياً إلى خارج حدود المصنع.

4 ■ احذر عدم التوافق بين المواد الكيميائية:

كثيراً ما نسمع تحذيرات من عدم التوافق بين المواد الكيميائية، فمتى تكون المواد غير متوافقة؟

ببساطة، يمكن أن نقول عن مادتين أنهما غير متوافقتان إذا حدث بينهما تفاعلٌ سيء الأثر.

صورة 4: تجربة تحاكي تقريبياً ما حدث بعد دقيقة واحدة من التقاء حمض الكبريت المنقول من الشاحنة مع هيبوكلوريت الصوديوم الموجود في الخزّان.

في هذه الحادثة، تفاعل نحو 15 ألف ليتر من حمض الكبريت مع أكثر من 22 ألف ليتر من هيبوكلوريت الصوديوم على نحوٍ مفاجئ وغير مرغوب به، وكانت النتيجة انطلاق غاز الكلور السامّ وغيره من الغازات الأخرى.

لم يتمكّن المحقّقون من معرفة التركيب الدقيق لغمامة الغازات المنبعثة، فلا يمكن ذلك إذا لم تُعرف بدقّة كل التفاعلات المتتالية التي جرت ضمن الخزّان.

أمّا عن سبب عدم تأكيد ما هي التفاعلات التي جرت، فهذا لعدم تحديد درجتي الحرارة والـ pH.

لمزيج حمض الكبريت مع هيبوكلوريت الصوديوم عند التقائهما، ناهيك عن عدم معرفة مدى امتزاج المادّتين.

5 ■ أخطاء مهّدت طريق الحادثة:

يمكننا القول أنّ سائق الشاحنة هو من ارتكب الخطأ الفادح المسبّب للحادثة.

وذلك عندما ركّب الخرطوم في الوصلة الخاطئة دون  إشراف مباشر من عمّال المصنع.

ولكن يبيّن الواقع أنّ الفوضى والعيوب التصميمية هي من أدّت إلى هذا الخطأ الفادح.

صورة 5

سنوجز فيما يلي:

بعض الأخطاء التي قد تبدو صغيرة، ولكن لا يمكن التغاضي عنها .

● الحلقة المفقودة:

يقتضي أصول العمل أن يقوم أحد عمّال المصنع بإزالة الغطاء الموجود على أنبوب المادة المُراد نقلها، على أن تظلّ باقي الأغطية في أماكنها.

لأنّ الغطاء لم يكن مقفلاً أصلاً بسبب فقدان إحدى الحلقتين اللتين سيربطهما القفل (الصورة 5).

صورة 6

● المواد السامّة المفقودة أو الخاطئة:

 

عند التدقيق في الوصلات التي ستُركّب فيها الخراطيم، لم يجد المحقّفون سوى ملصقاً واحداً (انظر إلى الدائرة الصفراء في الصورة 6).

عند متابعة مسارات الأنابيب، وجد المحقّقون أخطاءً أخرى، كوجود ملصق خاطئ باسم حمض كلور الماء على الأنبوب الخاص بنقل حمض الكبريت (سابقاً، كان الأنبوب مخصّصاً لنقل حمض كلور الماء، ولم تتم إزالة الملصق عنه).

أيضاً، استغرب المحقّقون من وضع اسم هيبوكلوريت الصوديوم بشكل مقلوب في مكان لا يمكن لأي شخصٍ واقفٍ على الأرض أن يراه. (انظر الصورة 7).

صورة 7

هناك ملاحظة أخرى قد تبدو غير مهمة، ولكنها ذات تأثير، وهي اختلاف نمط التسميات التوضيحية فبعضها مُلصق وبعضها لا.

وتبيّن الصور عدم وضوح بعض الأحرف.

● العيوب التصميمية:

من اللافت أن الأنابيب والوصلات المخصّصة لنقل الحمولات كانت قريبة من بعضها، ولا يوجد بينها حواجز، ولم يكن تصميمها مريحاً للنظر.

يتّضح من الصورة 8 أنّ أقلّ من نصف متر هي المسافة الفاصلة بين الوصلتين الخاصّتين بأنبوبي نقل حمض الكبريت وهيبوكلوريت الصوديوم.

يزيد القرب الشديد بين الوصلات من إمكانية وقوع الأخطاء، وخاصّة إذا لم تكن التسميات واضحة وملفتة للنظر.

بعد الحادثة، تم تغيير كل التصميم، فجرى إبعاد الوصلات عن بعضها، ووُضعت الحواجز بينها كما هو واضح في الصورة 9.

صورة 9: حواجز جرى وضعها بعد الحادثة.
صورة 8: المسافة القريبة بين الوصلات. تمّ تغيير التصميم بعد الحادثة.
صورة 10: وصلة جديدة تمّ تركيبها بعد الحادثة.

لا بدّ من ذكر ميزة جديدة في التصميم الجديد، وهي عدم إمكانية تركيب أي خرطوم في أي وصلة بشكل عشوائي. إذ تمّ اعتماد وصلات بتصاميم مختلفة كي تتوافق كل واحدة منها مع خرطوم معيّن دون غيره.

وقد جرى تنسيق الأمر مع المورّدين الرئيسيين لمواد المصنع.

وبهذا نكون أنهينا موضوعنا وعرفنا خطورة المواد السامّة وكيفية الحذر منها.

 

6 ■ المصدر:

Key Lessons for Preventing Inadvertent Mixing During Chemical Unloading Operations. (December 2017). U.S. Chemical Safety and Hazard Investigation Board. Retrieved January 25, 2018, from http://www.csb.gov/assets/1/19/MGPI_Case_Study.pdf

شارك هذه المادة!
Exit mobile version