يتوقف خطر أي مادة سامة على الجرعة وكيفية انتشارها وطريقة دخولها إلى الجسم.
أدت محاولة التسمم الأخيرة للجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال Sergei Skripal وابنته إلى تنبيهات من انتشار المادة الكيميائية السامة المستخدمة في الاعتداء، طُلب من المئات من الأشخاص الذين زاروا المطعم الذي يُعتقد أن الهجوم حدث فيه بغسل ملابسهم لتجنب أي احتمال للتلوث بسم الأعصاب “Novichok” المشتبه به، ومثل هذه الحوادث تعطي اشارة بوجوب توضيح سُمية المواد الكيميائية للعامّة.
يُعتقد أنّ الخطر على عامة الناس في حدوده الدنيا، مع خطر صغير مصدره التعرض لفترات طويلة ومتكررة للكميات الصغيرة من المادة الكيميائية.
لكن كيف يعرف الخبراء ماهو الخطر الحقيقي في حالة كهذه؟ لتقييم الوضع يتعين عليهم معرفة كمية المادة الكيميائية المتحررة، وكيف وصلت إلى تماس مع الناس، وكيف تنتشر وتتحلل في البيئة.
يمكنك أيضًا الأطلاع على: قياس المواد السامة المحمولة في الهواء
سُمية المواد الكيميائية المشهورة
يمكن أن نتعرض للمواد الكيميائية من خلال التماس عبر الجلد أو بالاستنشاق أو عن طريق التناول أو الحقن في مجرى الدم.
تحديد المسار الدقيق للتعرض يمكن أن يكون سبب في إحداث فرقاً كبيراً، تماماً كما أنّ تنفسنا للأكسجين يبقينا أحياء فإنّ حقنه يمكن أن يقتلنا.
إنّ أكثر المواد سميّة هي مواد قاتلة بأصغر الجرعات. على سبيل المثال، يمكن لسموم البلوتونيوم، أكثر المواد المكتشفة سميةً، أن تقتل بكمية لا تتجاوز بضعة نانوغرامات لكل كيلوغرام من وزن الجسم إذا تم حقنها في الأوردة أو العضلات.
أما إذا استنشقت فإنّ الجرعة المميتة هي عشرات النانوغرامات لكل كيلوغرام من وزن الجسم.
العديد من السموم المعروفة لا يظهر تأثيرها إلا من خلال ابتلاعها، مثل السيانيد والزرنيخ. في حين مركبات أخرى مميتة يتم امتصاصها ببساطة عبر الجلد بمجرد لمسها.
وهذا ما حدث في حالة كاثرين ويتيرهاهن Katrin Wetterhahn، أستاذة في الكيمياء التحليلية والتي أسقطت عن طريق الخطأ كمية صغيرة من دي ميتيل الزئبق على يدها برغم ارتداءها قفازات لاتكس.
ولما كانت هذه المركبات سهلة النفاذ عبر اللاتكس فقد امتصها جلدها. وتوفيت بسبب التسمم بالزئبق بعد خمسة أشهر، وفيما يلي سوف نتناول
يمكنك أيضًا الأطلاع على: كيف يعمل الغاز المسيل للدموع: المواد الكيميائية والحشود
تم تسميم سيرجي سكريبال بأحد سموم الأعصاب المعروف باسم Novichok وهو كيميائياً يوصف بأنه من مركبات الفوسفور العضوي.
تعمل هذه المركبات كمثبطات لأنزيم acetylcholinesterase.
ما يعني أنها تعطّل الجهاز العصبي المركزي. توجد هذه المركبات على شكل صلب أو سائل أو غاز، ومن المعروف أنّ سموم الأعصاب تعمل عند تناولها أو استنشاقها.
ولكن لم يتضح بعد ما هو المركب الكيميائي المستخدم في هذه الحالة أو كيف تم التعرض له. لهذا لا نعلم كمية المادة المستخدمة أو كيف تعرضت الضحايا له.
خطورة المواد الكيميائية السامة
تعتمد درجة خطورة المادة الكيميائية أيضاً على مدى سهولة انتشارها وتلويثها للبيئة، وهنا تلعب صفات المادة دوراً هاماً.
فللزرنيخ نقطة انصهار تتجاوز 600C، فإذا تم رشّه على الطعام فمن غير المرجح أن تنتقل بعيداً عن الصحن لأنه سيكون بشكله الصلب عند درجة حرارة الغرفة.
لكن المركبات المميتة على شكل غاز، يمكن أن تؤدي إلى انتشار فوري للمادة الكيميائية عبر مساحات واسعة.
ما يعني إمكانية التأثير على عدد كبير من الناس، وبالرغم من أنها تصبح منتشرة على نطاق واسع، فإنّ ضررها يتضاءل لأنّ الجرعات التي يتعرض لها الأشخاص تصبح أصغر.
وبالمثل:-
يمكن انتقال السموم على شكل سائل أو رذاذ أو محاليل مشعة بسهولة من سطح الى آخر.
بمجرد دخول المواد الكيميائية إلى البيئة فإنها تبدأ بالتفكك والتغير، ما يجعلهم أقل ضرراً بمرور الوقت.
على سبيل المثال، عندما تلامس غاز الكلور من مادة قابلة للتأكسد مثل الخشب أو الملابس يتحول إلى مركب كلوريدي خامل وغير ضار.
**********
التحلل الإشعاعي للمواد الكيميائية
تعتمد درجة خطورة المواد المشعّة على سرعة فقد ذراتها للطاقة، وهي عملية معروفة باسم بالتحلل الإشعاعي يتم قياسها بمقياس يعرف باسم عمر النصف.
عندما تم اغتيال جاسوس روسي سابق آخر، ألكسندر ليتفينينكو Alexander Litvinenko.
في المملكة المتحدة عام 2006 كان سلاح الجريمة هو البلوتونيوم-210 الموضوع في فنجان الشاي خاصته.
عمر النصف للبلوتينيوم-210 هو 139 يوم، ما يعني أنّ بعد هذا الزمن فإنّ نصف ذراته قد أطلقت جسيمات ألفا وتحللت إلى ذرات بولونيوم-206.
إشعاع ألفا المنبعث داخل جسم ليتفينينكو بعد تناوله للشاي المسموم هو ما سبب له المرض وأدى لموته بعد شهر.
لكن الأشخاص الذين كانوا على اتصال به مثل ممرضاته كانوا أقل عرضة للأشعاعات. جسيمات ألفا لا ترحل لمسافات بعيدة وتوقفها أبسط العقبات كقطعة ورق أو جلد الإنسان.
سموم الأعصاب
تعتبر سموم الأعصاب مثل Novichok والسارين، الذي استخدم في هجوم مترو طوكيو وأدى إلى 13 قتيل، غير مستقرة وتتحلل تدريجياً بمرور الوقت أو عندما تتعرض للماء.
لهذا فإنّ غسيل الملابس بعد التعرض لمثل هذه المركبات يمكن أن يكون كافياً للتخلص منها.
وفي الواقع، فإنّ سموم الأعصاب المرتكزة على الفوسفات العضوي غير مستقرة لدرجة أنها غالباً يتم تخزينها كمركبين منفصلين أو أكثر ويتم مزجها عند الحاجة لها.
إنّ القدرة على التفاعل بسهولة مع المواد الأخرى هو ما يجعل المواد الكيميائية المميتة خطرة للغاية، بالنسبة للضحايا المقصودين، أو الأشخاص العابرين الأبرياء.
لذلك فإنّ هذه المواد العنيفة لا تستمر لفترة طويلة.
لكن إذا صادفوا شيئاً يمكن أن يحملهم على سطحه حتى يطلقهم مرة أخرى فإنّ هذا يؤدي لإطالة عمرهم المضرّ المحتمل. وأفضل مثال لنقل المواد من شخص لآخر هي مقابض الأبواب المعدنية.
بالنسبة للأشخاص الذين ينظفون الموقع الملوث فإنّ جميع هذه العوامل ضرورية لفهم ما يواجهونه وكيف تفادي أي أثر لسُمية المواد الكيميائية وذلك حتي يتمكنوا من منع وقوع أي شخص آخر ضحيةً لمواد كيميائية قاتلة
المصدر:
How to Calculate the Danger of a Toxic Chemical to the Public. Smithsonian. Retrieved October 30, 2018, from https://www.smithsonianmag.com/science-nature/how-toxic-chemicals-can-cause-widespread-contamination-180968494