لنرش بعض الحقائق عن الملح
لنرش بعض الحقائق عن الملح. إنّ بعض المنتجات الغذائية المشهورة كرقائق البطاطا والبوشار والكعك المملح تشترك مع بعضها باحتوائها الكثير من الملح. فالكثير من الناس يحبذون الطعم المالح ولكن الملح يقوم، بأكثر من كونه ببساطة يضيف الملوحة للمنتج، بل يمكنه أيضاً تعزيز الطعم الحلو وإخفاء الطعوم الكيميائية أو المعدنية غير المحببة ليكمل بذلك التوازن الإجمالي للطعوم ويحسن مذاق الطعام.
كما يمكن تعزيز الطعم أو النكهة بإضافة الأعشاب أو التوابل أو الخل ولكن إضافة الملح يعتبر وسيلة رخيصة وسريعة لجعل مذاق الطعام جيداً. ولسوء الحظ فإنّ تناول الكثير من الملح يرتبط بحدوث ارتفاع في ضغط الدم والذي يمكن أن يؤذي القلب والأوعية الدموية كما يزيد من خطر حدوث الذبحات والسكتات القلبية. ومنذ عدة عقود، تنصح الحكومة الأمريكية ومنظمة القلب الأمريكية باستهلاك أقل للملح ولكن تقليل استهلاك الملح لم يُظهر حدوث انخفاض في ضغط الدم بشكل كبير ولم يؤدي لتقليل حدوث الذبحات والسكتات القلبية لدى سكان الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك فإنّ الإرشادات الحالية مازالت تنادي بضرورة تحديد استهلاك الملح للحفاظ على الصحة. إذاً كم نحتاج فعلياً من الملح لنبقى أصحاء؟
التأثيرات الصحية للملح
إنّ تقليل استهلاك الملح يمكن أن يؤدي لانخفاض ضغط الدم ولكن غالباً فإن التغير في ضغط الدم يكون صغيراً. فوفقاً لمنظمة القلب الأمريكية American Heart Association يكون الشخص الذي يقلل استهلاك الملح من مستويات وسطية (حوالي 3400 ملغ) إلى المستويات الموحدة المنصوح بها (ليس أكثر من 2300 ملغ) سيلاحظ وبشكل نموذجي هبوط بسيط يتراوح بين 1% إلى 2% في ضغط الدم كمعدل وسطي.
هناك أيضاً عوامل أخرى تؤثر على ضغط الدم فمثلاً يرتفع ضغط الدم مع اكتساب الوزن وينخفض بفقدانه لذا فإنّ الحفاظ على وزن صحي يمكن أن يساعد في منع ارتفاع ضغط الدم. كما أن تناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم يبدو أنه يمنع بعض التأثيرات التي يسببها الاستهلاك المرتفع للملح على ضغط الدم.
إنّ الدراسات التي قارنت استهلاك الملح بين مختلف الدول حول العالم لم تجد ارتباط واضح بين استهلاك الملح وارتفاع ضغط الدم. حيث وُجد أنّ المجتمعات التي تستهلك مستويات قليلة من الملح ليس بالضرورة أن يكون لديها أمراض قلبية أقل من المجتمعات التي تستهلك كميات كثيرة من الملح. وبالإضافة لذلك فإن الملح يؤثر على عناصر مغذية أخرى فمثلاً وجد أن استهلاك الكثير من الملح قد يسبب طرح المزيد من الكالسيوم عبر البول. حيث يعد الكالسيوم عنصر معدني يساعد على تقوية العظام لذا فإن الناس الذي يعتمدون أنظمة غذائية غنية بالملح يحتاجون المزيد من الكالسيوم لتعويض الكالسيوم المفقود (وذلك مع استمرار مدخول أكثر من الصوديوم). يعد أيضاً الكالسيوم البولي المكون الرئيسي لحصيات الكلية والذي يزداد باعتماد الأنظمة الغذائية الغنية بالملح. لذلك فإنّ الأغذية الغنية بالملح يمكن أن تؤدي إلى حصيات كلوية مؤلمة.
ما هو الملح كيميائياً؟
كمصطلح كيميائي تعد الأملاح مركبات شاردية. ولمعظم الناس تعني كلمة ملح بأنه ملح الطعام ألا وهو كلور الصوديوم. يتشكل كلور الصوديوم من الارتباط الشاردي لشوارد الصوديوم والكلور. حيث يوجد كاتيون صوديوم موجب (Na+) لكل أنيون كلور سالب (Cl–) لذا تتشكل الصيغة الكيميائية (NaCl)
يعد عنصر الصوديوم نشط كيميائياً ويمكن أن يتفاعل بشكل انفجاري مع الماء. ولهذا السبب لا يوجد بشكل حر في الطبيعة. في ملح الطعام يعد الصوديوم المكون لكاتيونات الصوديوم والتي تنفصل عن أنيونات الكلور عندما ينحل الملح في الماء. يقع الصوديوم في اليسار الأقصى من الصف الثالث للجدول الدوري ولديه إلكترون واحد تكافؤي في طبقته الخارجية. وبسبب أن نواته ذات شحنة موجبة فعالة صغيرة نسبياً فإنه يفقد إلكترونه الخارجي بسهولة. بالمقابل يقع الكلور في النهاية الأخرى من نفس الصف في الجدول الدوري ويُبنى من ست بروتونات إضافية ولذلك لديه إلفة عالية للإلكترونات ويمكن أن يقبل بسهولة واحد أو أكثر من الإلكترونات التكافؤية. وتتحقق الثباتية عندما ينتقل إلكترون الصوديوم التكافؤي إلى الكلور فينتج كلور الصوديوم.
كم من الملح نحتاج؟
بشكل مفاجئ فإنّ الكمية الواجب استهلاكها من الملح ليست معروفة كثيراً. فسكان الولايات المتحدة الأمريكية يستهلكون كمعدل وسطي حوالي 3400 ملغ من الملح في اليوم. ومنذ عقود توصي الحكومة والمنظمات الأمريكية كمنظمة القلب الأمريكية الناس باستهلاك القليل من الملح.
وتوصي الإرشادات الغذائية الحالية بألا يتم استهلاك أكثر من 2300 ملغ من الصوديوم – أي ما مقداره ملعقة شاي من الملح – في اليوم وذلك بالنسبة للمراهقين والبالغين. وألا يتم استهلاك أكثر من 1500 ملغ في اليوم للمجموعات ذات عوامل خطورة كمرضى القلب ومن ضمنهم الأمريكيين الأفارقة وأي شخص فوق عمر الخمسين عاماً. وكانت الإرشادات الغذائية وُضعت في ثمانينات القرن العشرين عندما كانت المعلومات المتوفرة عن الصحة والأغذية المالحة قليلة.
تأثير هذه الإرشادات على السلوك الإنساني
وكانت الإرشادات هي التخمين الأفضل الذي يعطي المعلومات المتوفرة في ذلك الوقت. ولكن هذه الإرشادات صنعت فرقاً قليلاً في سلوك الناس. فبين عامي 1957 و 2003 استهلك سكان أمريكا وكمعدل وسطي 3400 ملغ من الملح في اليوم. أيضاً وعلى مر السنين بقي استهلاك الملح ثابتاً رغم أن المصنعين كانوا يضيفون الكثير من الملح للأطعمة التجارية. وإن هذا الثبات في استهلاك الملح يشير إلى أنه وبطريقة ما ينظم الناس وبشكل ذاتي كمية الملح التي يتناولوها . وإن كان هذا صحيحاً فهل يعني بأن الناس وبشكل فطري يختارون الكمية المناسبة من الملح؟ أو ربما استخدم الناس كميات أقل من الملح على مائدتهم كمحاولة لاتباع الإرشادات الجديدة ولكن دون أن يعلموا أنهم يستهلكون ملح أكثر في وجباتهم الجاهزة.
يقول بعض العلماء الآن أن المعدل الوسطي من الملح الذي يستهلكه السكان الأمريكيون (3400 ملغ ملح في اليوم) يعد آمناً وصحياً أكثر حتى من الإرشادات الحكومية التي توصي بكميات أقل. في الواقع , هناك دراسة وجدت أن الناس الذين اتبعوا التوصيات الحكومية باستهلاك (2300 ملغ في اليوم) كان لديهم مشاكل قلبية أكثر من الذين يستهلكون كميات أكثر من الملح. وتضمنت هذه الدراسة 150 ألف شخص تقريباً من 17 دولة وتم نشرها في مجلة New England Journal of Medicine.
ويقول العلماء في تحديهم الإرشادات الحالية أنه يجب على الناس أن يستهلكوا على الأقل 3000 ملغ من الملح حتى 6000 ملغ في اليوم. وتشير نتائج البحث الجديد أن النظام الغذائي المنخفض بالصوديوم قد يحفز إنتاج الرينين وهو أنزيم تطلقه الكليتين. حيث يلعب الرينين دوراً في تنظيم توازن الماء والضغط الدموي في الجسم. وإن وجود الكثير من الرينين قد يؤذي الأوعية الدموية وبوجود الأنظمة الغذائية الغنية بالملح سيساعد بتقليل كمية الرينين المنتجة.
لم نحتاج الملح؟
إذاً لم نحتاج الملح بالدرجة الأولى؟ تعد شوارد الصوديوم (Na+) الموجود في تركيب ملح الطعام NaCl أساسية لوظيفة كل خلية في جسمنا. فالمركبات التي تحتوي على الصوديوم والبوتاسيوم هي عبارة عن إلكتروليتات (متحللات) وهي المواد التي تنحل في الماء وتنتج شوارد. ليكون المحلول الناتج عنها ناقلاً للتيار الكهربائي.
وفي جسم الإنسان هناك العديد من العمليات التي تتطلب إشارات كهربائية لتحقيق التواصل وخاصةً في الجهاز العصبي والدماغ والعضلات. مثلاً تعد شوارد الصوديوم ضرورية لخلق تلك الإشارات الكهربائية. فالكثير من الصوديوم أو القليل منه يمكن أن يؤدي لسوء وظيفة الخلايا وإذا وصل لحد شديد يمكن أن يكون قاتلاً. يعد الصوديوم الشاردة الموجبة الشحنة الأكثر انتشاراً في سوائل الجسم لذا فإن تراكيزها تحدد التركيز الكلي للمواد المذابة (أو ما يدعى بالأسمولية) في هذه السوائل. فعندما يكون لدينا سائلين بقيم مختلفة في الأسمولية ويفصل بينهما غشاء فإن الماء يميل ليتدفق عبر هذا الغشاء حتى يتم معادلة التراكيز على جانبيه. وذلك عبر عملية تدعى بالأسموزية، أي انتقال الماء عبر الغشاء نصف النفوذ من المنطقة ذات التركيز المنخفض بالمذاب إلى المنطقة ذات التركيز المرتفع بالمذاب.
وفي حالة سوائل الجسم فإن السائل داخل الخلايا ينفصل عن السائل الذي في الدم . لذلك إن كانت أسمولية الدم غير متوازنة مع الأسمولية داخل الخلايا فإن الحجم الكلي للسوائل في الخلايا قد يرتفع أو ينخفض. وبدون كمية كافية من الصوديوم فإن الخلايا في جسمنا ستفقد الماء مما يسبب التجفاف وانخفاض ضغط الدم وقد يؤدي إلى الموت.
يُطرح الملح عبر البول وعبر العرق. ولأن الملح يُطرح من الجسم فلا بد أن يتم تعويضه باستمرار. وعلى أية حال فمعظم الناس يختارون الاستمرار بتناول الملح حتى بعدما يصلون الحد المطلوب. فهل يمكن أن يستفيد الناس من استهلاك مستويات عالية من الملح لأسباب لم يفهمها العلماء بعد؟ يقترح بعض الباحثين أن استهلاك كميات عالية من الملح ليست إلا عادة تم تعلمها في الطفولة أو قد تكون إدماناً. بينما يقترح آخرون أن التقدم بالعمر يمنح الناس الرغبة بتفضيل الملح حتى عندما لا يحتاجونه.
كم تحتاج من الملح؟
إن كنت رياضياً وتعتمد أنظمة غذائية قليلة الملح فعليك الحصول على القليل من الملح أيضاً، ولكن إن كنت تأكل الكثير من الأطعمة المعالجة فأنت تحصل على أكثر مما تحتاجه من الملح. وكما قد أصبح واضحاً بالنسبة إليك فإنّ العلماء والمجتمع الطبي لم يتفقوا بعد على الكمية المثالية من الملح والتي يجب أن يتناولها الناس ولكن لدى معظم الناس يعد الاعتدال هو الخيار الجيد.
هذا ويمكنك تقدير مدخولك اليومي من الملح عبر الانتباه للصاقات التغذوية الموجودة على الأطعمة. بعض الأطعمة بما فيها الأطعمة الجاهزة للأكل مباشرةً كالمنتجات التي في محلات السندويش والأفران لا تتطلب وضع لصاقات تغذوية عليها .فإن كنت تتناول من هذه الأطعمة أو الكثير من وجبات المطاعم فإنه من الصعب تقدير استهلاكك للملح. لكن يمكنك أن تبحث عبر الإنترنت عن المعلومات التغذوية للكثير من وجبات محلات المطاعم والسندويش الجاهز والأفران. مثلاً ابحث عن “المعلومات التغذوية” واسم المنتج. كما يقدم لك موقع (www.myfitnesspal.com) تطبيق موبايل مجاني حيث يقدم الموقع الإلكتروني له قوائم بالمعلومات التغذوية لآلاف المنتجات. كما يمكن أن تؤكد الاختبارات الدموية مستوى الصوديوم في دمك. فإن وجدت أنك تأكل الكثير من الملح فيجب أن توقف الأغذية العالية الملوحة أو تضيف القليل أو بدون إضافة الملح لطعامك على المائدة. وإن فقدت نكهة الطعام يمكن أن تجرب إضافة البهارات أو الأعشاب بدلاً منها.
المصادر:
Chris Eboch. Shaking Out Facts About Salt. ChemMatters. Retrieved July 28, 2017, from https://www.acs.org/content/acs/en/education/resources/highschool/chemmatters/past-issues/2015-2016/february-2016/salt-facts.html
Marta Zaraska. Pass the Salt, Please. It’s Good for You. The Washington Post. Retrieved July 28, 2017, from https://www.washingtonpost.com/national/health-science/we-eat-a-lot-of-salt-but-scientists-say-there-are-good-reasons-for-that/2015/05/04/69ff7058-c806-11e4-a199-6cb5e63819d2_story.html
Coco Ballantyne. Strange but True: Drinking Too Much Water Can Kill. Scientific American. Retrieved July 28, 2017, from http://www.scientificamerican.com/article/strange-but-true-drinking-too-much-water-can-kill
Sodium (Na) in Blood. WebMD. Retrieved July 28, 2017, from http://www.webmd.com/a-to-z-guides/sodium-na-in-blood
Sodium and Salt. American Heart Association. Retrieved July 28, 2017, from http://www.heart.org/HEARTORG/HealthyLiving/HealthyEating/Nutrition/Sodium-and-Salt_UCM_303290_Article.jsp
Shaking the Salt Habit to Lower High Blood Pressure. American Heart Association. Retrieved July 28, 2017, from http://www.heart.org/HEARTORG/Conditions/HighBloodPressure/PreventionTreatmentofHighBloodPressure/Shaking-the-Salt-Habit_UCM_303241_Article.jsp