إجبار الغازات النبيلة على التفاعل
إجبار الغازات النبيلة على التفاعل
إجبار الغازات النبيلة على التفاعل. لاتتفاعل الغازات النبيلة- أو هكذا تعلم معظمنا في المدرسة. ولكن عندما توجد الإرادة، توجد الطريقة!
إنّ كان هناك قاعدة كيميائية واحدة يتذكرها معظمنا من أيام المدرسة، فهي أنّ الغازات الخاملة أو “النبيلة” لا تتفاعل.
أثبت التاريخ المبكر لهذه العناصر، الموجودة في أقصى اليمين من الجدول الدوري، دعماً كبيرًا لهذا الرأي. بعد اكتشاف غاز الأرغون النبيل عام 1894م مزجه الكيميائي الفرنسي هنري مويسان Henri Moissan مع غاز الفلور، وهو العنصر شديد الفعالية الذي كان قد عزله في عام 1886م، وأرسل شرار عبر الخليط كإجراء إضافي. وكانت النتيجة: لاشيء. أعلن النمساوي فريدريك بانت Friedrich Paneth الرأي الجماعي في عام 1924م: “إنّ عدم تفاعلية عناصر الغازات النبيلة تعود إلى النتائج المؤكدة للتجارب”. وأوضحت السبب نظرية الترابط الكيميائي. للغازات النبيلة طبقة خارجية ممتلئة بالالكترونات، بالتالي لا يمكنها مشاركة الكترونات ذرات أخرى لتكوين روابط.
نظرية الترابط الكيميائي
كان الكيميائي ذو التأثير الكبير لينوس باولينغ Linus Pauling أحد مؤسسي هذه النظرية، ولكنه لم ييأس من الغازات النبيلة على الفور. في ثلاثينيات القرن العشرين تمكن من الحصول على عينة نادرة من الكزينون وأقنع زميله دون يوست Don Yost في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا في محاولة مفاعلته مع غاز الفلور. بعد الكثير من الطهي والتحريض، نجح يوست فقط في تخريش جدران قواريره المفترض أنها من الكوارتز الخامل.
محاولة صنع مركبات من الغازات النبيلة
بعد ذلك، فقد كانت إما روح الشجاعة أو الحمق الدافع لإعادة محاولة صنع مركبات من الغازات النبيلة. لم يحاول الكيميائي البريطاني نيل بارتليت Neil Bartlett، الذي يعمل في جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر بكندا، تحدي النظرية المعروفة، بل كان يتبع المنطق الشائع.
في عام 1961م، اكتشف أنّ مركب سداسي فلوريد البلاتين PtF6، الذي صنعه كيميائيون أميركيون قبل 3 سنوات، مؤكسد قوي ويسبب إدماع العين. الأكسدة، عملية إزالة الكترونات من عنصر كيميائي أو مركب، تحمل اسم الأكسجين لأنّ له قدرة يصعب مضاهاتها لتنفيذ هذا التفاعل. لكن بارتليت وجد أنّ PtF6 يمكنه أكسدة الأكسجين أيضاً، نازعاً منه الكتروناته لتوليد أيونات موجبة الشحنة.
في مطلع العام التالي، كان بارتليت يستعد لإلقاء محاضرة وبالصدفة لمح رسم بياني في كتاب حول “إمكانات التأين”. تحدد هذه الأرقام كمية الطاقة المطلوبة لإزالة الكترون من مختلف المواد. ولاحظ أنّ كمية الطاقة لتأين الكزينون تقريبًا مساوية للأكسجين. فإذا كان PtF6 يستطيع أكسدة الأكسجين، فهل يستطيع أكسدة الكزينون أيضًا؟
مَزْجُ الغاز الأحمر PtF6 مع الكزينون عديم اللون قَدّّمَ الجواب. فقد غطى الوعاء الزجاجي مادة صفراء على الفور. وجد بارتليت أنّ لهذه المادة الصيغة XePtF6 –سداسي فلوروبلاتينات الكزينون، أول مركب لغاز نبيل.
إجبار الغازات النبيلة على التفاعل
وقد تبع ذلك العديد من مركبات الكزينون ومن ثم الكريبتون. بعضهم كان غير مستقر بشكل انفجاري: كاد بارتليت يفقد عينه في دراسة ثاني أكسيد الكزينون. رادون، وهو غاز نبيل أثقل ومشع، يشكل مركبات أيضاً. ولكن الأرغون لم يتم تأكيد تشكيل مركباته حتى عام 2000، أول مركب له فلوروهيدرات الأرغون يوجد في درجات حرارة منخفضة من قبل مجموعة في جامعة هلسنكي، فنلندا. حتى الآن، تواصل الغازات النبيلة بمفاجأتنا. إذ يعترف روال هوفمان Roald Hoffmann الحائز على جائزة نوبل بجامعة كورنيل في إيثاكا، نيويورك، بشعوره بالصدمة عندما أبلغ علماء عند مركب للكزينون والذهب عام 2000م – من المفترض أن معدن الذهب خامل أيضاً ولايتفاعل.
لذا لا تصدق كل ما قيل لك في المدرسة. لاتزال الغازات الخاملة أقل العناصر تفاعلية؛ ولكن يبدو أنك تستطيع إقناع العناصر بفعل أي شيء تقريباً.
المصدر:
Ball, P. (2012, January 18). Retrieved October 31, 2018, from New Scientist: https://www.newscientist.com/article/mg21328481-700-impossible-chemistry-forcing-noble-gases-to-work/?fbclid=IwAR1Gx8lPd_PuEJJvAe8j9XrBBE7kLIOiFr7NckwBpPqtUwpk65pJScIL81I