كيمياء النوم (ساعتنا الداخلية) الجزء الأول
تقوم أجسامنا بإفراز المواد الكيماوية خلال دورات يومية، مما يوجهنا للقيام بنشاطات معينة في أوقات محددة. وهذا ما يدعى بالتواتر اليومي (وهو أي عملية حيوية تتم وفقاً لتردد معين خلال أربع وعشرين ساعة).
أحد أهم المواد التي يفرزها الجسم ضمن هذا التواتر هو هرمون الميلاتونين ” Melatonin ” الذي يجعلنا نشعر بالنعاس حيث تبدأ كمية الميلاتونين داخل الجسم بالتصاعد في بداية المساء وتصل ذروتها عند منتصف الليل، مما يحكمنا بأن نخلد إلى النوم، ثم تعود الكمية للإنخفاض مع بداية الصباح وهو ما يدفعنا إلى الاستيقاظ ويبعث فينا الصحوة، وللحفاظ على عدد معين من ساعات النوم خلال اليوم، يقوم جسمنا بترجمة فترات اليوم إلى لغة يفهمها الجسم وهي الكمية المنتجة من الميلاتونين في هذا الوقت. تبدأ هذه العملية في شبكية العين: عندما تكون شبكية العين معرضة للضوء، تنتقل إشارة معينة من الشبكية إلى منطقة من الدماغ تدعى النواة فوق التصالبية ” Suprachiasmatic Nucleus ” وهي صاحبة الدور الأساسي في جعلنا مستيقظين أو شاعرين بالنعاس.
تقوم هذه النواة بدورها بنقل إشارات إلى مناطق أخرى من الدماغ من شأنها التحكم بحرارة الجسم وإفراز الهرمونات، ومن ثم تنتقل هذه الإشارات من الدماغ إلى النخاع الشوكي ومنه تعود إلى الغدة الصنوبرية في الدماغ حيث يتم إنتاج الميلاتونين. تقوم هذه الإشارات خلال النهار بمنع الغدة الصنوبرية من إنتاج الميلاتونين. ولكن حينما يحل الظلام، تصبح هذه الإشارات خاملة وتعود الغدة إلى نشاطها.
تتلخص الفكرة بأن التعرض للضوء يمنع إنتاج الميلاتونين مما يبقينا مستيقظين، بينما التعرض لأجواء مظلمة يحفز إنتاج الميلاتونين وهو ما يخبرنا بأن ساعة النوم قد حانت.
إن هذه الإشارات تفسر لنا كيفية معرفة الجسم للوقت المناسب لإنتاج الميلاتونين .. ولكن يبقى السؤال: كيف يتم إنتاج الميلاتونين؟؟
يتم إنتاج الميلاتونين من حمض أميني يدعى التريبتوفان ” Tryptophan ” بعد امتصاصه من الدم متجهاً للغدة الصنوبرية، وذلك بعملية تخليق حيوية تستغرق أربع خطوات بإستخدام انزيمات مختلفة كما يلي:
يتحول التريبتوفان على خطوتين (كل خطوة تتطلب إنزيم معين) إلى مادة السيروتونين ” Serotonin ” وهي تعتبر إحدى الإشارات الدماغية، ومن ثم يتحول السيروتونين بدوره إلى الميلاتونين بإستخدام انزيمان آخران، الأول يدعى ” SNAT ” والثاني ” HIOMT ” (الأسماء موضحة بالصورة) على التوالي، حيث يتفعل نشاط هذين الأنزيمين بعد حلول الظلام بفترة وجيزة.
تبعاً لهذا ، فإن كمية الميلاتونين تعتمد بشكل أساسي على نشاط إنزيم ” SNAT ” والذي يصل ذروته بعد حلول الظلام، والسبب كما ذكرنا آنفاً، أن التعرض للضوء يحفز نشوء إشارات معينة تنتقل من المخ إلى النواة فوق التصالبية ومن ثم إلى الغدة الصنوبرية مسببة تكسير إنزيم ” SNAT ” وبالتالي فإن عملية إنتاج الميلاتونين تتوقف، بينما أثناء الظلام تحدث عملية فسفرة لهذا الإنزيم (إضافة مجموعة فوسفات) مما يحمي الإنزيم من عملية التحلل وبالتالي يواكب مهمته في إنتاج الميلاتونين مما يؤدي إلى زيادة نسبة إفرازه.
المراهقون والميلاتونين:
إنّ إحساس الحاجة إلى النوم يعتمد على هرمون الميلاتونين، وما تعلمناه في العقود الأخيرة عن كيمياء النوم يدفعنا إلى إدراك حقيقة صعوبة الإستيقاظ الباكر بالنسبة للمراهقين والإنطلاق إلى يومهم بنشاط وحيوية.
يحدث إنتاج الميلاتونين عند المراهقين متأخراً بثلاث ساعات عن تواتره اليومي المعهود في الأطفال أو البالغين، مما يبقيهم مستيقظين إلى وقت متأخر، و يؤدي بالتتابع إلى حيود في فترة نشاط إنزيم ” SNAT ” واستمرارية إنتاج الميلاتونين حتى وقت متأخر من الصباح مما يجعلهم يشعرون بالنعاس في الصباح الباكر.
يحتاج المراهقون إلى تسع ساعات من النوم خلال فترة الليل، ولكن تأخرهم في النوم وحاجتهم للإستيقاظ الباكر يقلل عدد الساعات إلى سبعة كمعدل وسطي. نقص عدد ساعات النوم هذا يترتب عليه شعور متواصل بالنعاس مما يحدث أثراً على نشاط المراهق خلال اليوم وقدرته على التركيز والتعلم.
وفقاً لهذه الحقائق، تحاول بعض المدارس إتخاذ قرارات مفادها تغيير موعد بداية اليوم الدراسي، مثالاً لذلك مدرسة ” Minneapolis Public School District ” والتي قامت بتأخير موعد بداية اليوم الدراسي من الساعة 7:15 صباحاً إلى الساعة 8:40 صباحاً، وقد وجدوا بأن الطلبة تحظى بخمس ساعات نوم إضافية على مدار الاسبوع ويشهدون تحسناً على صعيد حضورهم وانسجاهم خلال اليوم الدراسي، بالإضافة إلى تحسن في نسبة التركيز واليقظة أثناء ساعات النهار وانخفاض في معدلات الاكتئاب.
من التبعيات المدهشة لتأخير بداية اليوم الدراسي في مقاطعة فاييت في كنتاكي ” Fayette County, Kentucky ” أن عدد حوادث السير المتعلقة بالمراهقين قد انخفضت بنسبة تقارب 17% خلال عامين. لذلك فمن الواضح أن أخذ حقيقة تأخر انتاج الميلاتونين عند المراهقين بعين الإعتبار بإمكانه أن يثمر كثيراً من النفع.
في حال تواجدك في مناطق لا تدعم نظام التأخير في بداية اليوم الدراسي، ما هي الإرشادات التي يمكن اتباعها لتخفيف تبعيات مشكلة الإنتاج المتأخر للميلاتونين؟؟
أولاً: عليك بتخفيف نسبة تعرضك للضوء الاصطناعي خلال الليل، إن كانت أضواء الإنارة الشديدة أو أضواء الشاشات النابعة من مختلف الأجهزة (هاتف، حاسوب، تلفاز). إن نسبة التعرض الزائدة لهذه الأضواء تبعث إشارات تعطي الجسم إحساس بأنه في وقت النهار مما يساهم في تحلل إنزيم ” SNAT ” وعرقلة عملية إنتاج الميلاتونين. هذا يعني بأنك لن تشعر بالنعاس، وسيكون من الصعب عليك أن تخلد إلى النوم خلال فترة وجيزة.
طريقة أخرى تجعلك تحظى بنوم أفضل هي ألا تأخر موعد استيقاظك أثناء الإجازات. قد ترى هذا الرأي مخالف للمنطق من منطلق حاجة جسمك للحصول على وقت إضافي من النوم خلال الإجازة لتعويض عدد الساعات الضائعة أو المنخفضة من النوم خلال الأسبوع، ولكن الحقيقة أن النوم الزائد خلال فترة نهاية الأسبوع يسبب نوع من الشتات أو عدم الاستقرارية لساعتك الحيوية مما يجعل استيقاظك خلال أيام الأسبوع مهمة أصعب.
المصدر:
Harper, Kristin.| December 2014/January 2015.| The Science of Sleep.| (ACS) American Chemical Society.| Retrieved (28/6/2017).| From: https://www.acs.org/content/acs/en/education/resources/highschool/chemmatters/past-issues/archive-2014-2015/the-science-of-sleep.html
it’s a great article, and as organic chismist i learned so much about serotonin and melatonin, thank’s i really appreciate your effort