الكيمياء الحيويةالكيمياء لليافعين

الكائنات الشغوفة بالظروف القاسية وأبطال القصص المصورة!

يعتبر البشر من أكثر الكائنات تأثراً بظروف الحياة، حيث أننا لا نستطيع العيش بوسط شديد البرودة أو الحرارة كما نحتاج للهواء للطعام بالإضافة للماء ولكن نستطيع النجاة ضمن حيّز متغيّر صغير من الضغط، الملوحة والحموضة. بالمختصر، يجب أن يبقى كل شيء على ما يرام. ولكن يوجد كائنات “محبة للظروف القاسية Extremophiles” وهي الكائنات التي تستطيع النجاة والنمو ضمن ظروف بيئية مميتة للبشر بل في أماكن لم يخطر في بالنا كبشر أن تتواجد بها حياة فهي تتمتع بقوى خارقة تماما كأبطال القصص المصورة.

أبطال القصص المصورة

  1. المرأة الخارقة:

الدّوّارات أو الدّولابيّات Rotifer والتي تعيش في البيئة المائية، وعند غياب المطر تنتقل للحالة المصونة “سُبات” حيث تتوقف عمليات الاستقلاب بشكل شبه كامل لحين توفّر المياه مجدداً، وطيلة فترة هذه الحالة تبقى حصينة ضد الهجمات القادمة من الأعداء المحيطين كغمرها في النتروجين السائل بدرجة حرارة -196مئوية، وتعريضها للغليان لدرجة 100 مئوية، ثم تعريضها للإشعاع. بضع قطرات من الماء ستكون كافية لإيقاظها من الحالة المصونة دون تعرّضها لأي ضرر. إنّ اكتشاف هذه الكائنات غيّر ما كنا نؤمن أنه مستحيل، حيث ألهمت العلماء والمهندسين لشحذ قواهم للأعمال المفيدة بالإضافة لتطوير العمليات التكنولوجية الرائدة لتحسين حياتنا وربما لإنقاذ عالمنا أيضاً.

  1. فتى الجحيم:

المستعرة المائية Thermus aquaticus هي عبارة عن بكتيريا شغوفة بدرجات الحرارة العالية تعيش في ينابيع المياه الحارّة في منتزه “يلوستون الوطني Yellowstone National Park” في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن خلال دراسة قدراتها توصل العلماء إلى أنّ المستعرة المائية وعلى عكس معظم الكائنات على الأرض لا تتلف انزيماتها (والتي هي عبارة عن بروتينات مهمة للتفاعلات الحيوية) عند درجات الحرارة المرتفعة وبالتالي قاموا باستخلاص إنزيم المستعرة المائية والذي كان مفتاحاً لتطوير ما يسمى: إنزيم التفاعلات المتسلسلة Taq polymerase enzyme وهو عبارة عن عملية ذات درجة حرارة مرتفعة تستخدم لتسريع تكرار قسم من الحمض النووي بلايين من المرات، إنّ هذه العملية لها تطبيقات متعددة من ضمنها اختبار الحمض النووي في الأدلة الجنائية ومسارح الجرائم، بالإضافة للفحص الوراثي عن طريق المسح الفموي او التشخيص الطبّي للفيروسات مثل فيروس زيكا وذلك عبر نقطة دم واحدة. ومن ناحية أخرى للسلم الحراري تظهر الكائنات المحبّة لدرجات الحرارة المنخفضة لنرحّب معا” ب:

  1. مستر فريز:

على عكس البشر فإنّ الكائنات المحبّة لدرجات الحرارة المنخفضة تعيش في جليد القطب الشمالي وتنمو بدرجات حرارة تحت الصفر، تهتم المشافي بإطالة عمر الأنسجة الحيوية للأعضاء الزرعيّة البشرية لكن ولسوء الحظ فإنّ التبريد البسيط للأنسجة، الأعضاء، أو المواد الحيويّة تعرّضها لتلف دائم. ولذلك فإنّ الشركات أخذت درساً من الطبيعة وتقوم بمحاولات لتكرار الاستراتيجيات الطبيعية الموظّفة من قبل الكائنات الشغوفة بالظروف البيئية القاسية لحفظ الأنسجة الحيوية، وعلى سبيل المثال: قام العلماء باستخدام البروتينات المضادة للتجمد (المستخلصة من هذه الكائنات) لينجحوا بحفظ الأوردة والشّرايين لأيام دون وجود أي إشارات على التّدهور الحيوي. وباستخدام التقنيّات الأخرى لهذه الكائنات قد استطاع الباحثون امتلاك القدرة على حفظ كامل العضو عند الدرجة -100 تحت الصفر.

يمكنك أيضًا الأطلاع على: نفط من مياه الصرف الصحي حقيقة أم خيال؟

ولكن، هناك كائن آخر مثير للاهتمام وُجد في أعماق “كهف ليشوغويلا Lechuguilla Cave” أحد أطول كهوف العالم في الحديقة الوطنية لنيو مكسيكو في الولايات المتحدة وهي البكتيريا آكلة الصخور وتماثل بقدرتها الخارقة لـ:

  1. الرجل العنكبوت:

حيث تلتصق بقوّة ومهارة على صخور الكهف وتقوم بالقضاء على أي خلية تقوم بمسّها، وتظهر الأبحاث أنّ هذه البكتيريا تستهدف الخلايا السرطانية في الثدي وتلتصق بها مصدرةً مركبات سامّة لتقضي عليها متجنّبةً بذلك الخلايا السليمة.

بعض الكائنات الشغوفة بالتطرّف البيئي تملك عدّة قوى خارقة مثل دينوكوكوس راديودورانز Deinococcus radiodurans وهي تكافئ بقدراتها أحد أشهر أبطال القصص المصورة …. وهو:

  1. سوبر مان:

وطبقا” لموسوعة غينيس للأرقام القياسية فإنّ:

  • هذه البكتيريا هي الأكثر قساوة بين غيرها من البكتيريا.

فهي ليست مقاومة للإشعاع فقط بل تستطيع النجاة ضمن ظروف بيئية قاسية:

  • (متطرفة) كالبرودة.
  • الجفاف.
  • الخلاء.
  • والحموضة.
  • هذا بالإضافة إلى إصدارها اشعّة تحت حمراء.

لذا قام العلماء بعزل المورّثة المسؤولة عن إصدار هذه الأشعّة، وباستخدام القليل من الهندسة تمكّنوا من:

  • إنارة الخلايا لامتلاك قدرة الرؤيا كسوبر مان حيث أنّ هذه المقدرة ستمكّننا من رؤية ما يحدث داخل الخليّة دون الحاجة لتمزيق غشاءها.

شمال غرب المحيط الهادئ في أمريكا الشمالية متنفّس “خوان دي فوكا ريدج Juan de Fuca Ridge” هناك نرى كائن آخر مميّز “السلسلة Strain 121″ له قدرة رهيبة على النمو في الدرجة 121 مئوية وهو أكثر شبها” بالشخصية المحببة:

  1. ثور Thor:

حيث بدا أنّ هذا الميكروب أحادي الخلية يملك القدرة على:

  • توليد الكهرباء كقدرة ثور على توليد البرق.
  • فعلى عمق ميلين أسفل سطح المحيط تقوم هذه الكائنات بهضم طعامها معتمدة ً على عملية جوهرها توليد الكهرباء من ركيزة عضوية.

ولكن، وبشكل مختصر تقوم بنقل الإلكترونات لعنصر خارجي (حديد) مما يولّد:

  • تدفّق الكتروني نابذ، ومن هنا يأمل العلماء بالاستعانة بهذه الكائنات لإنتاج طاقة متجددة.

ولكن، المواد الكيميائية الناتجة عن مياه الصرف الصناعية خطرة على البيئة ويكافح العلماء لإيجاد طرق لتحطيم هذه المواد لمكوّنات أكثر أماناً، وعند ذكر التحطيم لابدّ من ذكر:

  1. هالك Hulk:

فبينما هالك مشغول بتحطيم مركبات الألترون والصراع مع ثور لحسن الحظ وُجد من يساعد بتحطيم تلك المواد إلى فُتات.

إنه ثيرموس بروكيانوس Thermus Brockianus ، والذي يتواجد في الينابيع الحارّة الربيعية لمنتزه “يلوستون الوطني” في الولايات المتحدة.

حيث أُمكن تسخير قدراته:

  • لتحطيم بيروكسيد الهيدروجين (ماء هيدروجيني) إلى ماء وأكسجين.

مما جعل معالجة مياه الصرف الناتجة عن عمليّات تبييض الورق أكثر أماناً ولطفاً على البيئة.

  1. كابتن بلانيت:

ربما استطاع كابتن بلانيت من إيقاف دكتور بلايت من تدمير جزيرة الأمل بالغازات المنبعثة من الدفيئة ولكن هذه الغازات مثل الميتان لا تزال ترتفع بكميّات كبيرة عالمياً، وذلك بسبب تربية المواشي مقالب النفايات، محطات توليد الطاقة الكهربائية بالإضافة لمحاصيل إنتاج الأرز، ميتانوتروفز Methanotrophs أو آكلي الميتان وُجدت في “نيو- زيلندا هيلز جيت Hell’s Gate”، حيث تقوم باستنزاف الميتان  كمصدر وحيد للطاقة (تستقلب الميتان كمصدر للطاقة)، وربّما قد بكون باستطاعة هذه البكتيريا أن تُستخدم بتنقية انبعاثات مقالب النفايات ومحطّات توليد الطاقة الكهربائية من الميتان.

التقنيات والتنظيف

بالطبع عند التحدث عن التنقية والتنظيف لا يمكن أن نهمل صديقنا D. radiodurans .

  • فمقارنة بالبشر يستطيع الصمود ألف مرة أمام الإشعاعات، لأنّ هذه الإشعاعات تحطّم الحموض النوويّة لقطع “فتات” صغيرة.
  • ولكن، D. radiodurans، يملك قوّة شفاء هائلة تسمح له بإعادة “حياكة”  القطع المفكّكة من الحمض النووي مجدداً ليصبح مقاوماً للإشعاع.

لذلك قام المركز الأمريكي للطاقة بدراسة هذا الجرثوم على أمل:

  • استخدامه لتنقية وتنظيف المذيبات والمعادن الثقيلة (الحفّازات) الناتجة عن مكبّات المواقع النشطة إشعاعيّاً.

ولحد اليوم قام العلماء بدراسة عائلة D. radiodurans لتحطيم مركبات التولوين وإزالة سمّية مركبات الزئبق، وبالتالي:

  • فإنّ D. radiodurans يماثل أحد أقوى الشخصيات المصوّرة — وولفرين، حيث يستطيعان النجاة من محرقة نوويّة!.

إنّ تسخير قوى الكائنات الشغوفة بالظروف البيئية القاسية لا يقتصر على التطبيقات البيئية والطبّية فقط.

فكل يوم نستخدم تقنيّات مطوّرة من خلال دراسة هذه الكائنات:

  • حيث أنّ انزيماتها (بروتينات) المستخدمة في المواد الفعّالة سطحيّاً (منظفات) تم عزلها واضافتها في صناعة المثلجات قليلة الدسم.

حتى أنّ الباحثون في “ناسا” يقومون بإطلاق هذه الكائنات إلى الفضاء لدراسة تأقلمها وتكيّفها.

  • وذلك لمعرفة سبل النجاة في حال نهاية الأرض، فإذا كانت نهاية كوكبنا كنهاية كوكب سوبر مان كريبتون فنحن نحتاج لتعلّم تقنيّات السبات.
  • أو الحالة المصونة التي تقوم بها الدّولابيّات ليكون هروبنا إلى كوكب آخر أقل ضرراً.

تم استخدام أسماء ورموز الأبطال الخارقين في القصص المصورة لتبسيط المقال وجعل فهمه أسهل على القارئ.

المصدر:

Fanny Yuen. Extremophile superheroes! Naked Scientists. Retrieved December 7, 2017, from https://www.thenakedscientists.com/articles/features/extremophile-superheroes

شارك هذه المادة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى