مقالات علمية

تاريخ الجدول الدوري – الجزء الثاني

رأينا في المقال السابق كيفية ظهوره إلى الوجود والطرق التي اتبعت في تصنيف العناصر، إلا أنه من الجدير بالذكر أن كل تلك المحاولات لم تحقق النجاح المطلوب في تفسير الصفات الدورية للعناصر.

في الجزء الثاني سنتعرف على كيفية نشوء الجدول الدوري الحديث وتطوره على مدى القرن الماضي.

ديمتري مندلييف Dmitri Mendeleev

مندلييفلم يكن مندلييف، كما رأينا في الجزء الأول من هذا المقال، أول من حاول إيجاد العلاقة بين العناصر، ولكن النجاح الكبير لمحاولته هو الذي جعل عمله أساساً للجدول الدوري الحديث.

اكتشف مندلييف الجدول الدوري (أو النظام الدوري كما أسماه هو) عندما كان يحاول ترتيب العناصر، وذلك في شباط من عام 1869، وقد قام بذلك عن طريق كتابة خواص العناصر على بطاقات وترتيبها مراراً وتكراراً إلى أن توصل إلى حقيقة مفادها أنه إذا رتبت العناصر بحسب زيادة الوزن الذري، فإن أنواعاً معينة من العناصر تتكرر بانتظام. فعلى سبيل المثال، يكون اللافلز الفعّال متبوعاً مباشرة بفلز خفيف فعال جداً، يليه فلز خفيف أقل فعالية.

احتوى الجدول الدوري بادئ الأمر على عناصر متشابهة في صفوف أفقية، ولكن مندلييف بدل هذا الترتيب ليصبح عمودياً كما نراه في يومنا هذا.

لم يقتصر عمل مندلييف على ترتيب العناصر بالطريقة الصحيحة فحسب، بل إنه نقل العنصر الذي يظهر في المكان الخاطئ نظراً لوزنه الذري إلى مكانه الصحيح في الجدول بحيث يطابق النمط المتبع. فمثلاً، يجب أن يكون اليود والتيليروم في الجهة المقابلة تماماً بالاستناد على الوزن الذري، ولكن مندلييف رأى أنّ اليود مشابه جداً في خصائصه لبقية الهالوجينات (الفلور، والكلور والبروم) وأنّ التيليريوم مشابه لعناصر الزمرة السادسة (الأكسجين والكبريت والسيلينيوم)، لذا بدل مندلييف مكان العنصرين في الجدول.

أما عبقرية مندلييف الحقيقية فقد ظهرت في تركه شواغر للعناصر غير المكتشفة في حينها، حتى أنه توقع خواص ومركبات خمسة من تلك العناصر. وعلى مدة الأعوام الخمس عشرة اللاحقة فقد اكتشفت ثلاثة من هذه العناصر وكانت توقعات مندلييف صائبة بشكل لا يصدق.

يظهر الجدول التالي مثالاً عن ذلك، وهو عنصر الكاليوم والذي أسماه مندلييف (eka-aluminium) أي ما يلي الألمنيوم، لأنه العنصر الذي يأتي بعد الألمنيوم.

وفي سنة 1886 اكتشف كل من السكانديوم والجرمانيوم، وقد ساهم هذا الاكتشاف في ترسيخ سمعة الجدول الدوري لمندلييف.

الانتصار الأخير لعمل مندلييف كان غير متوقع نوعاً ما. لقد كان اكتشاف الغازات النبيلة في 1890 على يد ويليام رامزي، مناقضاً في البداية لعمل مندلييف، إلا أنه أدرك لاحقاً أنّ هذه الغازات كانت إثباتاً آخر على صحة نظام مندلييف، لتكون مع بعضها الزمرة الأخيرة في جدوله الدوري، وهذا أعطى الجدول الدورية الثمانية التي نعرفها الآن، بدلاً من الدورية السباعية التي كانت معروفة سابقاً.

لم يحصل مندلييف على جائزة نوبل لقاء عمله هذه، ولكن العنصر 101 سمي باسمه (Mendelevium).

الكاليوم (Ga)

ما يلي الألمنيوم

Eka-aluminium (Ea)

الوزن الذري

69.72

68 تقريباً

كثافة الصلب

5.9g/cm3

6g/cm3

درجة الانصهار

29.78C

واطئة

التكافؤ

3

3

طريقة الاكتشاف

مطيافياً

من طيفه على الأرجح

الأكسيد

صيغته Ga2O3 وكثافته 5.88g/cm3 يذوب في الحوامض والقلويات

صيغته Ea2O3 وكثافته 5.5g/cm3

يذوب في الحوامض والقلويات

جدول مندلييف

هنري موسيلي Henry Moseley

موسيليأخيراً وفي عام 1913 أي بعد وفاة مندلييف بست سنوات، تم حل الأحجية الأخيرة. كان ترتيب الجدول الدوري يستند إلى الوزن الذري، وكانت النتيجة مطابقة لترتيب العناصر حسب العدد الذري بصورة تقريبية، ولكن الأمر لم يخل من الاستثناءات، (مثل اليود والتيليروم كما رأينا في أعلاه)، وقد ارتأى مندلييف أن يبدل أماكن هذين العنصرين في الجدول بغض النظر عن وزنيهما الذريين، وبقي السبب مجهولاً إلى أن اهتدى إليه موسيلي أخيراً.

قصف موسيلي بواسطة قاذف الأشعة السينية المطور حديثاً آنذاك عينات من العناصر، ثم قاس الطول الموجي للأشعة السينية الناتجة واستخدمه في حساب التردد، وقد وجد أنه إذا رسمت العلاقة بين الجذر التربيعي لهذا التردد والعدد الذري، فإنّ العلاقة ستكون علاقة خط مستقيم، وفي الواقع فقد وجد طريقة لقياس العدد الذري، ويعتقد الكثيرون أنّ موسيلي كان مرشحاً بقوة لنيل جائزة نوبل، إلا أنّ اشتراكه في الحرب العالمية الأولى ومقتله على يد قناص في تركيا، حال دون ذلك.

في السنوات العشر اللاحقة لعمل موسيلي، تم التعرف على بنية الذرة بواسطة العديد من العلماء البارزين في ذلك الوقت، وقد فسر هذا التطابق الجيد لأشعة موسيلي السينية مع العدد الذري، وكما يلي:

عند رجوع الإلكترون من مستوى طاقي عالٍ إلى مستوى طاقي أوطأ، تتحرر الطاقة على هيئة أمواج كهرومغناطيسية (في هذه الحالة على هيئة أشعة سينية)، وتعتمد كمية الطاقة المتحررة على قوة انجذاب الإلكترونات نحو النواة، فكلما احتوت النواة على عدد أكبر من البروتونات، زادت قوة انجذاب الإلكترونات نحوها، وزادت الطاقة المتحررة نتيجة لذلك، ومن المعلوم أن العدد الذري يعرف أيضاً بعدد البروتونات، وهو الذي يحدد طاقة الأشعة السينية.

غلين سيبورغ Glenn Seaborg

سيبورغاقترح العالم الأمريكي غلين سيبورغ سنة 1945 أنّ الأكتينيدات واللانثانات تملأ غلاف f تدريجياً، على عكس الاعتقاد السائد بأنّ الأكتنيدات تشكل دورة رابعة في سلسلة عناصر القطاع d. وعلى الرغم من معارضة زملائه لنشر هذا الاعتقاد، فإنّ غلين قام بنشر هذه الفكرة، وتبينت صحتها فيما بعد، لينال غلين سنة 1951 جائزة نوبل في الكيمياء لجهوده في تصنيع عناصر الأكتينيدات، وبذلك فقد أخذ الجدول الدوري شكله الحالي، حيث تترتب العناصر فيه حسب العدد الذري، وتكون اللانثانات والأكتينيدات في دورتين خاصتين بهما في معزل عن العناصر الانتقالية الأخرى.

أشكال أخرى للجدول الدوري

بقي أن نشير إلى وجود أشكال أخرى للجدول الدوري، فخلال القرن الذي تلا وضع مندلييف لجدوله الدوري نُشر ما يقارب الـ 700 نسخة مختلفة من الجدول الدوري وبأشكال تختلف عن الشكل المعروف، ومن هذه الأشكال الدائري والمكعب والأسطواني واللولبي والهرمي والمثلثي، والعديد من الأشكال الأخرى، وقد نشأت هذه الأشكال للتركيز على بعض الخصائص الفيزيائية والكيميائية للعناصر والتي لا تبدو واضحة في الشكل التقليدي للجدول الدوري.

من أشهر هذه الأشكال هو الذي وضعه تيودور بينفي سنة 1960، حيث تترتب العناصر فيه بشكل حلزوني مستمر، ويكون الهيدروجين في المركز، أما العناصر الانتقالية واللانثانات والأكتينيدات فإنها تشغل شكلاً مشابهاً لشبه الجزيرة.

أشكال أخرى للجدول الدوري

يمكن الاطلاع على قائمة طويلة من الاشكال الأخرى للجدول الدوري من خلال هذا الرابط:

http://www.meta-synthesis.com/webbook/35_pt/pt_database.php?Button=3D+Formulations

ختاماً، فإنّ الجدول الدوري الذي نراه بين أيدينا اليوم هو حصيلة جهود جبارة للعديد من العقول العظيمة، على مدى القرنين المنصرمين من الاكتشافات العلمية.

المصدر:

Development of the periodic table. (n.d.). Royal Society of Chemistry. Retrieved March 5, 2015, from http://www.rsc.org/periodic-table/history/about

Masterton, William L.; Hurley, Cecile N.; Neth, Edward J. Chemistry: Principles and reactions (7th ed.). Belmont, CA: Brooks/Cole Cengage Learning. p. 173. ISBN: 1-111-42710-0.

شارك هذه المادة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى