الزجاج … مقدمة مختصرة
ترجمة وإعداد: سومر الحموي، الكيمياء العربي
تارة تراه، وأخرى لا تراه. إنّه الزجاج ذلك اللغز المحير. إنّه صلب بما يكفي لحمايتنا إلا أنه ينكسر بسهولة. مصنوع من الرمل الكامد، إلا أنه بمنتهى الشفافية. وإنّ أكثر ما يثير الدهشة. يمتلك صفات المواد الصلبة، لكنه أيضاً يعتبر نوع من أنواع السوائل الغريبة.
تستطيع أن تجد الزجاج كيفما نظرت حولك: معظم الغرف في منزلك لها شبابيك زجاجية، أو ربما تجد مرآة زجاجية، أو حتى مصباح إضاءة زجاجي. الزجاج يعد من أقدم المواد التي صنعها الإنسان وأكثرها استخداماً في العالم. تعالوا لنكتشف معاً المزيد عنه.
ما هو الزجاج ؟
صدق أو لا تصدق، إنّ الزجاج مصنوع من الرمل السائل. بإمكانك صنع الزجاج بتسخين الرمل العادي (الذي يتكون معظمه من ثنائي أكسيد السيليكون) حتى ينصهر ويتحول إلى سائل. إنك لن تلحظ هذه العملية تحدث على شاطئ منطقتك، فالرمل يلزمه حرارة عالية جداً كي ينصهر 1700 درجة مئوية (3090 فهرنهايت).
عندما يبرد الرمل المنصهر، لن يعود ثانية تلك المادة الصفراء الرملية التي بدأت بها. إنه يعاني تحولاً كاملاً في الشكل ويكتسب بنية داخلية مختلفة كلياً. لكن مهما قمت بتبريد الرمل، فإنه لن يتحول إلى مادة صلبة، عوضاً عن ذلك فهو يصبح على شكل سائل متجمد أو ما يطلق عليه العلماء اسم: المواد الصلبة اللامتبلورة. فهو عبارة عن حالة وسطية بين المواد الصلبة والسائلة مع بعض من الانتظام البلوري للمواد الصلبة وبعض من الترتيب العشوائي لجزيئات السوائل.
الزجاج … هذه المادة المحببة في منازلنا بسبب ميزاتها وخصائصها العديدة والمفيدة. عدا أنه شفاف، فهو رخيص الثمن، قابل للتشكيل بسهولة وهو مصهور، ويمتلك مقاومة جيدة للحرارة. يمكن اعتباره خامل كيميائياً(1) (فالوعاء الزجاجي لا يتفاعل مع المواد الموضوعة بداخله)، ويمكن أن يعاد تدويره عدة مرات.
(1) ملاحظة المترجم: الزجاج ليس خاملاً تماماً، فهو يتفاعل مع يعض المواد مثل حمض فلور الماء HF، إلا أن مثل هذه المواد لا نصادفها في حياتنا اليومية.
كيف يصنع الزجاج ؟
في العام 1945م، وبينما كان العلماء الأمريكان يختبرون النموذج الأولي للقنبلة الذرية في صحراء نيومكسيكو، أدى الانفجار إلى تحويل الرمال المحيطة بمكان الانفجار إلى زجاج.
لحسن الحظ هنالك طرق أخرى لتصنيع الزجاج، أسهل وأقل خطورة، إلا أن جميعها تحتاج لمقدار ضخم من الحرارة.
يتم خلط الرمل مع النفايات الزجاجية (القادمة من وحدة إعادة التدوير) في مصانع الزجاج التجاري، بالإضافة إلى خلط الصودا آش (كربونات الصوديوم)، والحجر الكلسي (كربونات الكالسيوم)، ويتم تسخين المزيج في الفرن. تقوم الصودا بتخفيض درجة انصهار الرمل، الأمر الذي يقلل من استهلاك الطاقة خلال عملية التصنيع، لكن سنواجه هنا عائقاً مؤسفاً: سينتج نوع من الزجاج يمكن أن يذوب بالماء! ولذلك نقوم بإضافة الحجر الكلسي لمنع حدوث ذلك. المنتج النهائي يدعى: زجاج الصودا- كلس- سيليكا. وهو الزجاج المألوف الذي نراه من حولنا.
حالما ينصهر الرمل، فإنه إما يتم صبه في قوالب لصناعة القناني، الكؤوس، والعبوات الزجاجية الأخرى. وإما يصار إلى “تعويمه” (سكبه على سطح القصدير المنصهر في بوتقات كبيرة) وذلك لصناعة ألواح زجاجية مسطحة تماماً.
حتى الآن يقوم البعض بصناعة العبوات الزجاجية عن طرق النفخ. حيث تؤخذ كتلة من الزجاج المنصهر ويتم لفها حول أنبوب أجوف يدور ببطء ويتم نفخ الهواء بداخله، مما يجعل الزجاج ينتفخ كالبالون. وهكذا يتم بمهارة عالية صنع كل الأشكال المذهلة عن طريق النفخ والتدوير.
هنالك فوارق بسيطة بعمليات تصنيع الزجاج يقوم بها الصناعيون اعتماداً على نوع الزجاج المراد تصنيعه. يتم عادة إضافة مواد كيميائية أخرى لتغيير مظهر الزجاج وخصائصه. تتم على سبيل المثال إضافة مركبات تحوي الحديد والكروم إلى مصهور الرمل لإنتاج زجاج بلون أخضر. في حين تتم إضافة أكسيد البورون لإنتاج زجاج البورو سيليكات الذي يتحمل درجات الحرارة العالية (هذا النوع معروف جداً ويتم تسويقه باسم العلامة التجارية بيريكس PYREX®). أما زجاج الكريستال فتتم صناعته بإضافة أكسيد الرصاص، في هذا النوع الثمين من الزجاج تقوم بلورات الرصاص بعكس (أو تشتيت) الضوء المار خلالها فتعطي هذا البريق الملون والجميل.
هنالك أنواع خاصة من الزجاج يتم صنعها بطرق أخرى. حيث تتم صناعة الزجاج المضاد للرصاص بجمع عدة طبقات رقيقة ومتناوبة من الزجاج والبلاستيك. أما الزجاج المقوى الذي يستعمل كحاجب للرياح في السيارات فتتم صناعته بالتبريد السريع للزجاج المنصهر مما يجعله أصلب وأقوى. أما لإنتاج الزجاج الملون، فتتم إضافة مركبات معدنية للمصهور؛ حيث أن كل جزء من الزجاج يتلون تبعاً لنوع المعدن.
الزجاج … هل هو مادة صلبة أم سائلة؟
الجواب: لا أحد منهما وكلاهما! هنالك الكثير من الآراء المتضاربة حول ماهية بعض المواد كالزجاج، حيث يبدو كمادة صلبة في بعض الحالات في حين يبدو كمادة سائلة في حالات أخرى.
لقد تعلمنا في المدارس والكتب أن ذرات المواد الصلبة لها بنية منتظمة وثابتة.
في الحقيقة هنالك أنواع مختلفة من المواد الصلبة لها بنى مختلفة تماماً، وليس كل ما نقول عنه “صلب” له نفس الصفات والخواص. ليتبادر إلى ذهنك قطعة من المعدن وأخرى من المطاط، من البديهي أن كلتاهما مواد صلبة، ومع ذلك فإن المطاط يختلف كثيراً عن الحديد. إذا نظرنا بعمق أكثر في بنية هذه المواد سنجد أن الذرات (في قطعة الحديد) والجزيئات (في المطاط) تنتظم بطريقتين مختلفتين تماماً. فالحديد يمتلك بنية منتظمة بلورية(2) (تشبه شكل المكعب وتتوضع الذرات في الزوايا). في حين أنّ المطاط عبارة عن بوليمير (يتألف من سلاسل طويلة من الجزيئات مرتبطة ببعضها بروابط ضعيفة).
(2) ملاحظة المترجم: البنية البلورية تتألف من مراكز تبلور، وهي عبارة عن أشكال هندسية دقيقة تتراصف حول بعضها بانتظام لتشكيل ما يسمى بالشبكة البلورية المنتظمة. أما في حال الزجاج فإن البلورات تتراصف حول بعضها بشكل عشوائي وغير منتظم.
فكر قليلاً بالماء (أثناء عملية التجمد)، لربما كنت قد لاحظت أنه من المواد الصلبة الفريدة من نوعها، حيث أنه عندما يتجمد يزداد حجمه ويتمدد. الخلاصة، ليست كل المواد تماهي مفهومنا عن المواد الصلبة أو السائلة أو الغازية. وليست كلها تسلك سلوكاً سلساً أو قريباً للفهم. هذه الاستثناءات هي ما تجعل من العلم ممتعاً ومشوقاً.
المواد الصلبة اللامتبلورة Amorphous solids:
لنعود ثانية إلى الزجاج فإذا عاينت بعض القطع الزجاجية من خلال المجهر، ستجد أنّ الجزيئات المكونة لها تتراصف وفق بنية غير منتظمة، وهذا سبب تسميته أحياناً بالصلب غير المتبلور (أي أنه مادة صلبة لكن لا تملك بنية بلورية منتظمة في بنيتها كالمعادن).
أو ربما سترى الزجاج كما يوصف بـ السائل المتجمد فائق التبريد “Frozen supercooled liquid”، وهذه طريقة أخرى لنقول “الزجاج هو سائل غير محدد أو معين”. قد تتعرض لهذه العبارة الغامضة في المراجع العلمية.
بإمكاننا القول بأن الزجاج فيه شيء من المواد الصلبة والسائلة، فبنيته الداخلية عبارة عن حالة وسطية بين السائلة والصلبة، له القليل من ترتيب المواد الصلبة والقليل من عشوائية السوائل.
لا يمكننا القول بأنّ الزجاج هو المادة الوحيدة الصلبة اللامتبلورة، حيث بإمكاننا أن نصنع نوع من الماء (المتجمد) يدعى الثلج اللامتبلور الذي يمكن وصفه بأنه في حالة ما بين ماء صلب وثلج سائل.
يمكن عمل هذا النوع بالتبريد السريع جداً للماء، حيث تتشكل مراكز تبلور الثلج بسرعة كبيرة لدرجة لا يمكن لها أن تنتظم لتبني شبكة بلورية منتظمة. لذا ما تحصل عليه يبدو كالثلج لكن يملك بعض صفات الماء السائل.
هنالك مادة أخرى يمكن تصنيعها بهيئة الصلب اللامتبلور، الخلايا الشمسية مثلاً، التي تصنع في أغلب الأحيان من السيليكون اللامتبلور.
المصدر:
Bourhis, E. (2008). Glass: Mechanics and technology. Weinheim: Wiley-VCH Verlag.
Glass. (n.d.). Explain That Stuff! Retrieved December 12, 2014, from http://www.explainthatstuff.com/glass.html
Macfarlane, A., & Martin, G. (2002). Glass: A world history. Chicago: University of Chicago Press.
Shelby, J. (2005). Introduction to glass science and technology (2nd ed.). Cambridge: Royal Society of Chemistry.