كارثة سيفيزو … الكارثة التي أطلقت التوجيه الأوروبي سيفيزو
الزمان: 10 تموز 1976.
المكان: مصنع صغير للمواد الكيميائية، ويقع بالقرب من بلدة إيطالية اسمها سيفيزو Seveso.
الحدث: انبعاث الديوكسين TCDD ومواد كيميائية أخرى من المصنع.
أًصيب عدد كبير من السكان القاطنين في محيط المصنع بمشاكل صحية متعددة، ولكن لم تقع وفيات. كانت الخسائر هائلة على صعيد الحيوانات والنباتات وتربة الأراضي التي تعرّضت للتلوّث. نظراً لفداحة الحدث، أصدر الأوروبيون توجيهاً يحمل اسم سيفيزو لتلافي وقوع كوارث مشابهة.
1 ■ مقدّمة:
بدأت الكارثة عندما انبعثت المواد الكيميائية من مفاعل (خزّان) يجري تصنيع المركّب 2,4,5-trichlorophenol في داخله، ويُشار إلى هذا المركّب بالاختصار TCP.
يتمّ تصنيع المركّب TCP ابتداءً من المركّب 1,2,4,5-tetrachlorobenzene وهيدروكسيد الصوديوم بوجود غليكول الإيثيلين، وذلك فقاً لظروف تفاعل محدّدة.
لا يتشكّل الديوكسين 2,3,7,8-tetrachlorodibenzodioxin أثناء عمل المفاعل بشكل صحيح إلا بكميات متناهية الصغر، أمّا في حال ارتفاع درجة الحرارة فسيتشكّل الديوكسين المذكور بكميات كبيرة نسبياً.
ملاحظة: سنستعمل مصطلح “المفاعل reactor” على الخزّان الذي تجري التفاعلات الكيميائية في داخله لإنتاج مركب TCP.
2 ■ ماذا حدث؟
كان لزاماً أن تتوقّف العمليات الإنتاجية في المصنع خلال العطلة الأسبوعية، وعليه كان لا بدّ من إيقاف تحضير إحدى الخلطات عندما كانت المواد الكيميائية داخل المفاعل في مرحلة متقدّمة من الإنتاج، وتحديداً قبل إزالة كامل غليكول الإيثيلين من الخلطة.
لم يشعر أحد بالقلق، لأن درجة حرارة المزيج (158°C) أقل بكثير من درجة الحرارة 230°C التي كان يُعتقد أن التفاعل الناشر للحرارة يبدأ عندها. تبيّن لاحقاً أن التفاعل الناشر للحرارة يبدأ عند درجة الحرارة 180°C، أي أقلّ بكثير من الاعتقاد السابق.
يتمّ تسخين المفاعل بواسطة مجموعة من الأنابيب التي يمرّ من خلالها البخار العادم لإحدى العنفات، وقد أظهرت التحقيقات أنّ درجة الحرارة التي تقدّمها العنفة ارتفعت إلى ما يقارب 300°C، فكيف وقع هذا الخطأ الكارثي؟
كما ذكرنا، كان على المصنع أن يوقف عملياته الإنتاجية، ولذلك بدأت أقسام المصنع المختلفة بالتوقّف عن العمل ممّا أدّى إلى انخفاض حمل العنفة، وبالتالي ارتفاع درجة الحرارة التي تقدّمها.
يمكن من الشكل المجاور ملاحظة اختلاف درجات الحرارة للأماكن المختلفة من جدران المفاعل.
ما إن توقّف خلاط المفاعل حتّى بدأت درجة حرارة الطبقة السطحية من المزيج بالارتفاع، وبعد نحو 7 ساعات بدأت مرحلة التفاعل الناشر للحرارة. عندئذ، بدأ الضغط داخل المفاعل بالارتفاع.
كغيره من المفاعلات، كان المفاعل مجهّزاً بقرص يتمزّق عند ضغط معيّن لمنع انفجار المفاعل.
ما إن وصل الضغط داخل المفاعل إلى حدّ معيّن حتّى تمزّق القرص فبدأت محتويات المفاعل بالخروج منه لنحو ساعة من الزمن. لم يكن هناك أي وسيلة لحجز المواد المنبعثة من المفاعل، ويُعدّ هذا من العيوب الواضحة في تصميم المصنع.
قامت إدارة المصنع بإبلاغ السلطات عن انبعاث غيمة من المواد الكيميائية التي قد تؤذي المحاصيل، ولم تكن إدارة المصنع مدركة لوجود الديوكسين TCDD بين المواد المنبعثة.
تلقّى سكان المناطق المحيطة بالمصنع تحذيراً من خطورة تناول منتجات حدائقهم. لاحقاً، أظهرت التحاليل المخبرية وجود الديوكسين TCDD بين المواد المنبعثة، ولكن لم يتم إعلام السلطات بالأمر.
بعد عشرة أيام من الحادثة، أكّدت مزيد من التحاليل المخبرية انبعاث الديوكسين TCDD، وهنا جرى إبلاغ السلطات بالأمر. بدورها، تأخرت السلطات أربعة أيام عن إبلاغ السكّان بوجوب رحيلهم عن المناطق الخطرة.
اختلفت الدراسات كثيراً فيما بينها في تقدير كمية الديوكسين TCDD المنبعثة، إذ تتراوح التقديرات من 0.2 إلى 40 كيلوغراماً.
3 ■ الآثار الصحية:
بدأت المشاكل الصحية بالظهور في اليوم التالي للحادثة، إذ عانى بعض الأطفال من الحمّى والمشاكل المعوية.
بعد أربعة أيام من الحادثة، بدأت الحروق الجلدية بالظهور، وازدادت الشكاوى. كان الأطباء في حيرة من أمرهم، ولن ندخل هنا في تفاصيل ما تعرّض له السكّان.
امتدت آثار الحادثة تدريجياً إلى بلدات تبعد كيلومترات عدّة عن المصنع، وزاد السكّان في مطالبتهم للسلطات بمعلومات صادقة عن الحادثة.
تأخرت إدارة المصنع في إبلاغ السلطات عن وجود الديوكسين TCDD بين المواد المنبعثة. قامت السلطات بتحديد المناطق الملوّثة، وكانت بلدة سيفيزو في المنطقة الأكثر تلوّثاً.
تتباين الدراسات فيما بينها حول دور الديوكسين TCDD في حالات الإجهاض التلقائية التي وقعت.
من ناحية أخرى، لُوحظ أنّ نسبة المواليد الإناث كانت لفترة من الزمن أعلى بشكل ملحوظ من نسبة المواليد الذكور، ويُعزى ذلك إلى تأثير الديوكسين TCDD.
كان من الطبيعي أن يسود القلق بين الناس حول تأثير الكارثة على المدى البعيد، وتختلف الدراسات التي أجريت لاحقاً في تقييمها للنتائج. على سبيل المثال، هناك جدل حول دور الديوكسين TCDD في أمراض السرطان المختلفة التي وقعت بعد سنوات من الكارثة.
4 ■ الآثار البيئية والاقتصادية:
تعد كارثة سيفيزو من أسوأ الكوارث البيئية على مستوى العالم.
لقيت عشرات آلاف الحيوانات حتفها بسبب الكارثة، وقد نفقت بعض هذه الحيوانات لوحدها، بينما تمّ التخلّص من معظم العدد الضخم لمنع انتشار التلوّث قدر الإمكان.
من ناحية أخرى، أصاب التلوّث طبقة التراب العليا لنحو ألفي هكتار من الأراضي. من الواضح أنّ النباتات لم تنجو من التلوّث، ويكفي أن نقول أن النشاطات الزراعية مُنعت عاماً كاملاً في المناطق الأقل تلوّثاً، واستمرّ المنع أكثر من ذلك في المناطق الأخرى.
حُظرت كامل النشاطات الاقتصادية في المنطقة الأكثر تلوّثاً ممّا أدّى إلى إقفال شركتين صناعيتين، 61 مزرعة، وغير ذلك. تمّ الانتهاء من تنظيف المنطقة الأكثر تلوّثاً عام 1984.
دفع مالكو المصنع أكثر من 240 مليون دولار أمريكي كتعويضات عن آثار الكارثة.
5 ■ توجيه سيفيزو:
شكّلت كارثة سيفيزو حافزاً للأوروبيين لوضع التشريعات اللازمة لتجنّب كوارث جديدة. في عام 1982: تمّ اعتماد التوجيه 82/501/EC المعروف باسم توجيه سيفيزو الأوّل، ويحمل العنوان
(Directive on the control of major-accident hazards involving dangerous substances)
بعد عامين من اعتماد توجيه سيفيزو الأوّل: شهدت مدينة بوبال الهندية كارثة لا سابق لها من حيث عدد الوفيات (انقر هنا للاطلاع على الكارثة)، شكّلت هذه الكارثة وغيرها ضرورة لتحسين التوجيه الأوّل فكان اعتماد توجيه سيفيزو الثاني عام 1996.
في عام 2012: صدر توجيه سيفيزو الثالث، ودخل حيّز التطبيق في 1 حزيران 2015.
انقر هنا للاطّلاع على توجيه سيفيزو الثالث.
6 ■ ماذا نتعلّم من هذه الكارثة؟
- منح المسؤولين على الإنتاج حرية الاختيار بين متابعة العمليات الإنتاجية أو إيقافها خلال العطلات، وذلك حسب ما يرونه مناسباً لتجنّب أي حوادث محتملة.
- لا بدّ من وجود معدّات مناسبة لحجز المواد المنبعثة:
لم يكن انبعاث المواد الكيميائية مفاجئاً في كارثة سيفيزو، لأنّ ذلك كان مقصوداً لحماية المفاعل من الانفجار عند ارتفاع الضغط في داخله، وهنا نسأل: ما هو سبب عدم وجود معدّات مناسبة لحجز المواد المنبعثة؟ قد تكمن الإجابة في عدم إدراك المسؤولين لاحتمال تشكّل الديوكسين TCDD بكميات كبيرة في المفاعل عند ارتفاع درجة الحرارة.
- دراسة كل التفاعلات الكيميائية التي قد تحدث عند تغيّر ظروف الإنتاج:
بدأت مجريات كارثة سيفيزو عندما لم تُستكمل إحدى الخلطات التزاماً بالعطلة الأسبوعية. أيضاً، قد تؤدّي المشاكل التقنية المفاجئة إلى توقّفات طويلة ممّا يعني ظروف إنتاج غير متوقّعة.
- دراسة التغيّرات الطفيفة للقيم الموصى بها:
على سبيل المثال، قد تحدث تفاعلات غير مرغوب بها إذا اختلفت درجة الحرارة المطبّقة عن درجة الحرارة الموصى بها.
- تجهيز المصانع بأجهزة الإنذار المناسبة:
كان من الصعب معرفة أنّ درجة الحرارة ارتفعت داخل المفاعل الذي انبعثت منه المواد، وذلك لغياب أي جهاز يُنذر بوصول درجة الحرارة إلى خارج المجال المسموح به.
- الشفافية:
لم تقم إدارة المصنع بإعلام السلطات فوراً بالحادثة، وعندما علمت السلطات بالحادثة فإنها لم تنذر السكّان فوراً وتأخرت في بدء عمليات الإخلاء ممّا زاد من حجم المعاناة.
7 ■ المصادر:
Kletz, Trevor A. (2001). Learning from Accidents. Gulf Professional Publishing.
Seveso accident: release of dioxins into the atmosphere in a chemical plant. (February 2008). Bureau for Analysis of Industrial Risks and Pollutions (BARPI). Retrieved June 11, 2016, from http://www.aria.developpement-durable.gouv.fr/wp-content/files_mf/FD_5620_meda_Seveso_1976_ang.pdf
The Seveso Directive – Prevention, preparedness and response. (November 19, 2015). European Commission. Retrieved June 11, 2016, from http://ec.europa.eu/environment/seveso/
Leakage of toxic substances at a chemical plant. (n.d.). Failure Mandalas. Retrieved June 11, 2016, from http://www.sozogaku.com/fkd/en/cfen/CC1300002.html
Seveso Disaster – 1976. (June 12, 2015). Devastating Disasters. Retrieved June 11, 2016, from http://devastatingdisasters.com/seveso-disaster-1976/