الكيمياء الفيزيائية وعلم الموادمقالات علمية

هل الكرافين مضاد للرصاص؟

لا يزال الكرافين ومنذ لحظة اكتشافه يُظهر العديد من الخصائص العجيبة، فبالإضافة إلى التوصيلية الكهربائية والحرارية العالية الناتجة عن الشبكية الذرية atomic lattice، يمتلك الكرافين قوة مذهلة. فطبقة واحدة من الكاربون بسمك ذرة واحدة تفوق في قوّتها أقوى المواد المعروفة في العالم. ولو كان بلاستيك التغليف يمتلك قوة الكرافين عينها (وكان بسمك 100 مايكرومتر تقريبًا) فسيتطلب اختراقه تسليط قوة مقدارها 20,000 نيوتن على مساحة تعادل مساحة رأس القلم الرصاص.

وينبع جزء من هذه القوة الهائلة من قوة الآصرة المتشكلة بين ذرات الكاربون، ولكن الطريقة المتّبعة في تحديد قوة المواد تلعب دورًا في ذلك أيضًا. فقوّة المادة تعادل قوّة أضعف الروابط فيها، وعادة ما تكون الشوائب والتشقّقات وغيرها عوامل رئيسية في تحديد قوّة المادة الكلية.

يتكّون الكرافين من طبقات نانوية بسمك ذرة واحدة فقط، وهذا يعني عدم وجود مساحة كافية لانتشار الشوائب والتشقّقات وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى إضعاف المادّة؛ لهذا يتطلّب إحداث ثقبٍ في الكرافين تطبيق مقدار كافٍ من القوّة لتكسير روابط الكاربون التساهمية، وهو الأمر الذي يمنحه قوّة كبيرة مقارنة بحجمه الصغير.

وقد دفعت خفّة الكاربون الشديدة إضافة إلى القوّة والمرونة العاليتين إلى الاعتقاد بإمكانية استخدامه في الدروع، أو على الأقل تعزيز قوّة الدروع المتوفّرة في الوقت الحاضر.

ركّزت أولى الأبحاث المتعلّقة بالكرافين على قوّة الشدّ tensile strength، أي مقدار القوّة التي يمكن سحب الكرافين بها قبل أن يتعرّض للكسر، وهذه الخاصّية تجعل منه مادة مفيدة في جميع المشاريع الهندسية بدءًا بوسائل النقل وانتهاءً بمصاعد الفضاء، غير أنّ مقاومته للصدمات هي الخاصّية الأهم عند استخدامه في الدروع وتجهيزات الحماية.

هل الكرافين مضاد للرصاص؟

يمكن للإطلاقات النارية أن تحطّم طبقة واحدة من الكرافين، ولهذا السبب كان من الصعب تحديد قدرته على تحمّل التأثيرات الناتجة عن المقذوفات، فجميع هذه التجارب كانت ذات طبيعة مدمّرة. ولكن العلماء تمكّنوا من تجاوز هذه العقبة بواسطة تجربة عملية فريدة، ويبدو أنّ النتائج تشجّع فكرة استخدام الكرافين إلى جانب مواد أخرى في إنتاج دروع مقاومة للرصاص وخفيفة الوزن في المستقبل.

أجريت التجربة من قبل Jae-Hwang Lee في جامعة Massachusetts-Amherst. استخدم Lee أسلاك رفيعة من الذهب لقذف طلقات زجاجية ذات أحجام مايكروية باتجاه طبقات متعددة من الكرافين. وقد تمكن الباحث من مراقبة تشوّه الكرافين عند اصطدام الطلقة بالطبقات، وقد لاحظ أنّه عند اصطدام الطلقات المايكروية بسرعة 3 كم/ثا (أعلى من سرعة الطلقات التي تطلقها رشاشة M16 على الرغم من أنّ الطلقات المايكروية ذات حجم أصغر بكثير) تتشوّه الطبقات باتجاه الداخل ويتّخذ هذه التشوه شكلًا مخروطيًّا. ثم يتبع هذا التشوّه تصدّع بشكل دائري نحو الخارج لتتكسّر في نهاية المطاف. وقد وجد باحثون في جامعة Rice أن 300 طبقة من الكرافين (والتي تكون بسماكة 100 نانومتر فقط) قادرة على إيقاف مثل هذه الطلقات المايكروية على نحو تام.

تبديد الطاقة الحركية

من الأمور المهمّة التي يجب توافرها في الكرافين لاستخدامه في الدروع وبدلات الحماية هي القدرة على تبديد الطاقة الحركية بسرعة عالية وضمن مساحة كبيرة. إنّ السبب الذي يجعل الإطلاقات النارية مميتة بهذا الشكل هو امتلاكها لطاقة حركية عالية تنتقل عند إصابة الجسم إلى مساحة صغيرة جدًّا؛ لذا فإنّ وظيفة الدروع هي نشر هذه الطاقة على أكبر مساحة ممكنة.

يمتلك الكرافين توصيلية حرارية مرتفعة، ما يعني أنّه قادر على توزيع الطاقة الحركية بسرعة كبيرة قبل تعرّضه للكسر، فعلى سبيل المثال تكون سرعة الأمواج الصوتية في الكرافين أعلى بثلاثة أضعاف من سرعتها في الفولاذ، وهذا يعني أنّه قادر على تحمّل طاقة حركية تفوق تلك التي يستطيع الفولاذ مقاومتها بعشرة أضعاف.

يؤدي الكيفلار Kevlar الوظيفة نفسها، فبدلًا من إيقاف الرصاصة، ينشر الكيفلار الطاقة الحركية على مساحة واسعة، الأمر الذي يؤدي إلى إبطاء سرعة الطلقات التي يمكنها اختراقه على نحو تام.

بيّنت التجارب أنّ أداء الكرافين أفضل من أداء الكيفلار بمرتين؛ لذا يبدو أنّه سيساهم قريبًا في إنشاء الدروع وبدلات الحماية من الرصاص، ولكن مشكلة التصدّع الدائري قد تعوق دون إعادة استخدام المادّة بعد تعرّضها للإطلاقات النارية.

كذلك يمكن الاستفادة من التوصيلية الحرارية المرتفعة للكرافين في التطبيقات الجوّيّة، مثل الطائرات التي تحلّق في ارتفاعات شاهقة والمركبات الفضائية، حيث يمكن استخدام مركبّات مع طبقات من الكرافين، لتتمكّن هذه المركبات من الرجوع إلى الغلاف الجوّي دون أن تكون عرضة للتدمير نتيجة للحرارة العالية.

المزيد من الخصائص العجيبة

يبدو أن في جعبة الكرافين المزيد من الميزات التي يمكنه أن يقدّمها لنا عبر بعض الخصائص غير المفسّرة لحدّ الآن. فقد اكتشف علماء في جامعة City في نيويورك أنّه عند وضع طبقة من الكرافين فوق طبقة أخرى تكون النتيجة الحصول على مادة تمتلك صلابة تعادل صلابة الألماس، وذلك بسبب القوى الناشئة بين هاتين الطبقتين.

الديامين وهو عبارة عن طبقتين من الكرافين
الديامين

أطلق العلماء على هذه المادة اسم الديامين diamene، وهي مرنة مثل الرقائق المعدنية في الظروف الاعتيادية، ولكنّها تصبح صلبة عند تعرّضها للصدمات الميكانيكية. والعجيب أنّ هذا التأثير لا يظهر إلا في طبقتين من الكرافين فقط (في الوقت الحاضر تثبّت هاتان الطبقتان على قاعدة من كاربيد السيليكون silicon carbide)، وهذا يعني أنّ الكرافين قد يخبّئ لنا المزيد من المفاجئات، وأنّه قد يمكن استخدامه كمادة مضادة للرصاص في المستقبل.

المصدر

Is Graphene Bulletproof? . (April 16, 2018). Azo materials. Retrieved April 25, 2108, from https://www.azom.com/article.aspx?ArticleID=15696

شارك هذه المادة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى