الأكل بعينيك: كيمياء الملونات الغذائية
هل ستشرب ماء لونه أسود؟ أو مشروب ببسي شفاف اللون؟ ماذا عن زبدة وردية، أو كتشب أخضر؟ صدق أو لا تصدق، هذه المنتجات موجودة بالفعل، وفي وقت ليس ببعيد، ولكن هناك سبب وجيه لعدم بقاء موضة هذه الأطعمة لفترة طويلة، وهو أن المستهلكين يفضّلون الأطعمة التي تتناسب فيها النكهة مع اللون.
هناك رابط منطقي بين اللون والمذاق، فالبرتقال برتقالي اللون، لذا سنتوقع أن يكون أي مشروب برتقالي اللون برتقالي النكهة أيضاً، كذلك فالمشروبات الحمراء لها مذاق التوت، والبنفسجية لها مذاق العنب. وإذا كان الطعام متعدد الألوان فمن المحتمل أن يكون متعفنًا وغير صالح للأكل، باستثناء الجبنة الزرقاء التي اكتسبت هذا الاسم من العفن الذي يعطيها تلك النكهة المميّزة.
إن كمية الطعام المعالج الذي نتناوله يومياً تبعث على الدهشة، وتعالج هذه الأطعمة إما لتحويرها عن حالتها الطبيعية ولجعلها أقل خطرًا، أو للقضاء على البكتريا الضارة فيها، أو لجعلها أكثر جاذبية، أو لزيادة فترة صلاحيتها.
ربما لن يبدو معظم الطعام الذي نتناوله يومياً جذابًا إن لم يكن ملونًا، ويمكن القول أن هذه الألوان هي بمثابة مستحضرات التجميل للطعام، ولولا الألوان لكان الهوت دوغ رمادي اللون!
ألوان الطعام الطبيعية
تجنّبًا للطعام المعالج اقترح البعض استخدام ألوان الطعام الطبيعية قدر الإمكان، وقد استخدمت الأصباغ الطبيعية على مدار القرون الماضية لتلوين الطعام، ومن أشهر هذه الأصباغ: الكاروتينويدات Carotenoids، الكلوروفيل Chlorophyll، الأنثوسيانين Anthocyanin، والكركم Turmeric.
1ـ الكاروتينويدات
تترواح ألوان الكاروتينويدات بين الأحمر الغامق والأصفر والبرتقالي، وأشهر مثال على هذه الأصباغ صبغة البيتا – كاروتين Beta-Carotene، وهي الصبغة المسؤولة عن اللون البرتقالي الفاتح للبطاطا الحلوة واليقطين. ولمّا كانت صبغة البيتا كاروتين ذائبة في الدهون، فإنها تعدّ الخيار الأمثل لتلوين مشتقات الحليب والتي تحتوي بطبيعتها على كميات كبيرة من الدهن، لذا فمن الشائع أن تضاف هذه الصبغة إلى الماركرين والجبنة. وجدير بالذكر أن تناول كميات كبيرة من الأطعمة التي تحتوي على صبغة البيتا-كاروتين سيلوّن الجلد باللون البرتقالي، ولحسن الحظّ فليس في ذلك أي ضرر على جسم الإنسان.
[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”]2ـ الكلوروفيل Chlorophyll
يوجد الكلوروفيل في جميع النباتات الخضراء، وتمتص جزيئاته أشعة الشمس لتستفيد من طاقتها في إنتاج الكاربوهيدرات من ثنائي أكسيد الكربون والماء في عملية تدعى بالتمثيل الضوئي Photosynthesis، وهي أساس الحياة على سطح الأرض. تستخدم هذه الصبغة في بعض الأحيان لتلوين الأطعمة باللون الأخضر وخاصة الأطعمة ذات نكهة الليمون الأخضر أو النعناع كالمثلجات والحلوى.
3- الأنثوسيانين Anthocyanin
يعد الأنثوسيانين أحد أهم مصادر اللون الأرجواني الغامق والأزرق، ويعزى لون العنب والتوت الأزرق والعنبية إلى هذا المركب العضوي. يذوب الأنثوسيانين في الماء على عكس البيتاكاروتين، ويمكن استخدامه في تلوين المنتجات التي تحتوي على الماء، وغالبًا ما تكتسب رقائق الذرة الزرقاء والمياه الغازية والجيلاتين الأزرق هذه الألوان باستخدام صبغة الأنثوسيانين.
[/fusion_builder_column][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”]هنالك أكثر من 500 نوع مختلف من الأنثوسيانين المستخلصة من النباتات، وتمتلك كل هذه الأنواع بنية رئيسية واحدة هي أيون الفلافيليوم Flavylium ion. يتألف هذا الأيون من ثلاث حلقات سداسية، بالإضافة إلى عدد من مجاميع الهيدروكسيل (-OH) والتي تجعل الجزيئة قطبية (أي أنها تمتلك شحنة موجبة جزئية وأخرى سالبة جزئية) وذائبة في الماء.
4- الكركم Turmeric
يضاف الكركم إلى الخردل لإعطاءه ذلك اللون الأصفر القوي، يمكن الحصول على الكركم من جذوع نبتة تنمو في الهند، ومن الشائع استخدامه في تتبيل الأطعمة الهندية. ويعد الكركم كذلك دليلًا ممتازًا في الكشف عن الحامضية والقاعدية، إذ يتحول الكركم إلى اللون الأحمر في الوسط القاعدي.
الحشرات
إذا كنت ممن يستمتع بالزبادي بنكهة التوت البري أو عصير العنبية، فيؤسفني إخبارك أنك ربما تناولت بعض الحشرات! لا تقلق، لم تلوث هذه الحشرات طعامك عن طريق الصدفة، إذ يستخدم مصنعو الأغذية مادة مستخلصة من أحد أنواع الحشرات، تعرف هذه المادة بالـ Cochineal، وقد استخدم شعب الأزتيك هذه الحشرات على مدى قرون عديدة في تلوين الأقمشة باللون الأحمر الغامق.
يمكن استخلاص رطل من الصبغة الحمراء والتي تدعى بـ (Carminic acid C22H20O13) عن طريق سحق 70,000 من هذه الحشرات تقريبًا.
ونظرًا لكون هذه المادة آمنة فقد وجدت طريقها إلى العديد من الأغذية ومستحضرات التجميل التي تحتاج إلى اللون الأحمر، إلا أن الشعور بالانزعاج الناتج من معرفة الناس بمصدر هذه الصبغة، دفع بعض الشركات إلى استبدال هذه الصبغة في عدد من منتجاتها.
[/fusion_builder_column][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”]لتعرف إن كان الطعام الذي ستتناوله محتويًا على الحشرات أم لا، ابحث عن العبارات: Carmine, Carminic acid, Cochineal, Natural Red 4 في قائمة المكوّنات.
على الرغم من كون هذه المواد صالحة للاستهلاك البشري فقد سُجّلت بعض الحالات النادرة التي أظهر فيها بعض الأشخاص رد فعل تحسّسي شديد تجاه هذه المادة قد يؤدي إلى حالة تهدد الحياة تدعى صدمة الحساسية المفرطة.
لماذا نستخدم الصبغة الصناعية؟
لماذا تتكبد الشركات عناء إنتاج الصبغات الصناعيّة إن كانت الصبغة الطبيعية متوفرة؟ هل كميّة الصبغات الطبيعية غير كافية؟
تعدّ التكلفة أحد أهم الأسباب التي تدفع باتجاه إنتاج الصبغات صناعيًّا، إذ يمكن إنتاج كميات كبيرة جدًّا من الصبغة وبتكلفة أقل بكثير من عملية جمع ومعالجة المواد المستخدمة في إنتاج الصبغات الطبيعية.
السبب الآخر هو عمرها الطويل، إذ يمكن للصبغات الصناعية أن تبقى لفترات أطول من الصبغات الطبيعية، وبالرغم من أن الطبيعة تنتج درجات لونية مختلفة ومتنوعة إلا أن القليل من هذه الصبغات صالح للاستهلاك البشري، في حين لا يوجد حدّ للألوان الصناعية المتنوعة والتي يمكن إنتاجها مختبريًّا.
قد تتفاجأ إذا علمت أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد صادقت على سبعة ملونات غذائية فقط من أصل آلاف من المواد المختلفة والتي تستخدم في تلوين الغذاء، والجدول التالي يلخص ملونات الغذاء هذه:
أنتجت ملونات الطعام الصناعية الأولى من قطران الفحم، ولكن سرعان ما جوبهت هذه العملية بالانتقادات، أما اليوم فإن غالبية ملونات الطعام الصناعية مشتقة من البترول أو النفط الخام، ينتقد البعض هذا الأمر كذلك باعتبار أن تناول النفط ليس أفضل من تناول الفحم على الإطلاق، إلا أن المنتجات النهائية تفحص بشكل دقيق للتأكد من عدم احتواءها على النفط ولو بكميات صغيرة جدًّا.
صبغة Blue No. 2 أو Indigotine هي الصبغة غير النفطية الوحيدة وهي نسخة صناعية من صبغة Indigo النباتية، وتستخدم في تلوين الجينز الأزرق.
كيف يتلوّن الطعام
ما الذي يجعل ملوِّن الطعام جيدًا؟
أولاً: يجب أن يكون الملوِّن ذائبًا في الماء، وإلا فإنه لن يختلط بصورة جيدة.
يذوب المذاب الاعتيادي كالملح والسكر عند إضافته إلى الماء، وهذا يعني أنه قد تكسر إلى أيونات أو جزيئات مفردة. فعلى سبيل المثال، ترتبط جزيئات السكر (C12H22O11) مع بعضها البعض بقوى جزيئية بينية ضعيفة، وعند إذابة السكر في الماء، فإن الماء يتغلب على هذه القوى، ما يؤدي إلى انتشار هذه الجزيئات في المحلول.
عادة ما تكون جزيئات ملونات الطعام صلبة أيونية، أي انها تحتوي على أيونات سالبة وموجبة، ترتبط مع بعضها بآصرة أيونية. وعند إذابتها في الماء، فإن الأيونات المكونة للجزيئة الصلبة ستنتشر في المحلول، وترتبط بجزيئات الماء القطبية، والتي تمتلك شحنة سالبة جزئية وشحنة موجبة جزئية.
من المهم أيضًا أن تحتفظ المادة الملوِّنة بلونها بعد إذابتها في الماء، وسبب حدوث ذلك أن جزيئات ملوِّنات الطعام تمتص جزءًا من الأطوال الموجية للضوء وتسمح للباقي بالعبور، لينتج عن ذلك اللون الذي تراه العين.
ولكن لماذا لا يمتص السكر أو الملح جزءًا من الضوء المرئي ويسمح للجزء الباقي بالعبور، كما هو الحال مع جزيئات المواد الملوِّنة للطعام؟
يحدث امتصاص الضوء عند انتقال إلكترون في الجزيئة أو الذرة أو الأيون إلى مستوى طاقيٍّ أعلى، ويتطلب حصول مثل هذا الانتقال في جزيئات السكر أو الملح المذابة إلى طاقة عالية تتوفر عادة في منطقة الأشعة فوق البنفسجية غير المرئية من الطيف الكهرومغناطيسي.
[/fusion_builder_column][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”]تحتوي جزيئات المواد الملوّنة للطعام على سلسلة طويلة من الأواصر المفردة والمزدوجة المتعاقبة والتي تسمح بإثارة الإلكترونات بطاقة أقل نسبيًّا، تقع هذه الطاقة في مدى طاقة الضوء المرئي، لذا يمكن لجزيئات المواد الملوّنة للطعام أن تمتص الضوء من الطيف المرئي.
ماذا يحمل المستقبل؟
الاعتقاد السائد بأن المنتجات الطبيعية أقل خطرًا على صحة الإنسان من نظائرها الصناعيّة ليس صحيحًا في جميع الحالات، فمستخلص الـ Cochineal ليس الصبغة الوحيدة التي قد تعرض صحة الإنسان للخطر، إذ تم تسجيل حالات رد فعل تحسسي شديد وخطر جدًّا مع استخدام الأنّاتو Annatto والزعفران.
إذن، كيف سيبدو مستقبل الطعام؟ تسعى بعض المراكز والمؤسسات إلى حَضْر استخدام جميع أنواع ملوّنات الطعام بلا استثناء، بسبب أدلّة محدودة تبيّن أن ملوّنات الطعام تشجع الأطفال على تناول الوجبات السريعة.
هناك أيضًا نظرة مستقبلية مختلفة، فقد صنعت إحدى الشركات صبغة رذاذية سميت بـ Food Finish، يمكن رشّها على جميع أنواع الأطعمة، وتأتي بالألوان: الأحمر والأزرق والذهبي والفضي.
لا يعتمد تناول الطعام على حاسة التذوق فقط، وإنما هي تجربة تدخل فيها جميع الحواسّ، ويؤكد العلماء والطهاة على حد سواء أن لحاسّة الشم والسمع واللمس وكذلك الرؤية دورًا لا يقل أهمية عن حاسة التذوق في تقبلك التام للطعام الذي سوف تأكله.
المصدر:
Brian Rohrig, October 2015, ChemMatters Online, Eating with your eyes: The chemistry of food colorings, Retrieved 7 October, 2015, from http://www.acs.org/content/acs/en/education/resources/highschool/chemmatters/past-issues/2015-2016/october-2015/food-colorings.html
[/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
أستمتع بقراءة هذه المقاله الألوان حقيقة تضيف البهجة على الطعام